فما عليكم في هذه الأيام القلائل التي تفصلنا عن الشهر المبارك، إلّا أن تفكروا في إصلاح أنفسكم والتوجه إلي بارئكم.. استغفروا الله من أفعالكم وأقوالكم التي لا تليق. وإذا كنتم قد ارتكبتم ـ لا سمح الله - ذنباً فتوبوا إلي الله قبل الدخول في شهر رمضان المبارك.. عوِّدوا ألسنتكم علي ذكر الله ومناجاته.. إياكم أن تصدر منكم غيبة أو تهمة أو نميمة أو أي ذنب في هذا الشهر، وأن تدنسوا أنفسكم بالمعاصي وتسيئوا آداب الضيافة وأنتم ضيوف الله سبحانه.. فاعملوا ـ علي الأقل ـ بالآداب الأولية للصيام. فكما تمسكون البطن عن الطعام والشراب، فامسكوا عيونكم وأسماعكم وألسنتكم عن المعاصي. عاهدوا أنفسكم من الآن تكفوا اللسان عن الغيبة والتهمة والكذب والإساءة. وأخرجوا من قلوبكم الحسد والحقد وسائر الصفات الشيطانية القبيحة.. فإذا انقضي شهر رمضان المبارك ولم يطرأ علي أعمالكم وسلوككم أي تغيير، ولم يختلف نهجكم وفعلكم عما كان عليه قبل شهر الصيام، فاعلموا أن الصوم الذي طُلب منكم لم يتحقق، وأن ما اديتموه لم يكن أكثر من صوم الحيوانات. لقد دعيتم في هذا الشهر الشريف إلي ضيافة الله تبارك وتعالي؛ فإذا لم تتحقق معرفتكم بالله، أو لم يضف لها، فاعلموا أنكم لم تلبوا دعوة الله كما ينبغي ولم تؤدوا حقّ الضيافة. يجب أن تعلموا أنه إذا لم تتمكنوا في هذا الشهر المبارك، الذي هو شهر الله وتفتح فيه أبواب الرحمة الإلهية لعباده وأن الشياطين والمردة ـ كما تفيد الأحاديث ـ يرسفون في الأغلال والقيود، إذا لم تتمكنوا من إصلاح نفوسكم وتهذيبها ومراقبة النفس الأمارة والتحكم بها، وإذا لم تتمكنوا من سحق الاهواء النفسية وقطع علائقكم المادية بالدنيا؛ فإن من الصعب أن تقدروا علي ذلك بعد انتهاء شهر الصيام. فاغتنموا الفرصة وهبوا قبل انقضاء هذا الفيض الأعظم، لإصلاح أموركم وتزكية النفوس وتطهيرها، وهيئوا أنفسكم لأداء واجبات شهر الصيام.
الجهاد الأكبر، ص: 55-53