*العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله
في مسجد الإمام الرضا عليه السلام في بئر العبد، المسجد الذي أعلن الولاء للإمام القائد منذ انطلاقة الثورة والذي كانت شرارته هي التي احرقت اتفاق 17 أيار بوحي من توجيهات الإمام القائد.. هذا المسجد "الذي يعرفه إمام الأمة ويعرف أمامه.." كما قال نائب طهران في مجلس الشورى الإسلامي.. في رحاب هذا المسجد اصطف المؤمنون سجداً لله في الليل يدعون من أعماق قلوبهم : "اللهم لا تخرجنا من مجلسنا هذا إلا والإمام قد تماثل للشفاء". ولكنهم ما لبثوا أن سلموا لله أمره وقضاءه في صباح اليوم التالي، فلقد حدث الأمر الإلهي ونزل البلاء لأمر وحكمة لا يعلمها إلا هو..
وهكذا.. اصطف المؤمنون مرة أخرى يبكون إمامهم، يشكون إلى الله وحدتهم فكانت كلمة سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله خير معبِّر..
مع الله نبقى
(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
مع الله نبقى بكل ما في قلوبنا من ايمان ومن إرادة ومن تصميم، كما كان مع الله، بكل ما في قلبه من إيمان ومن إرادة ومن تصميم.. مع الله نبقى ونحن عباده.. مهما اشتدت المصائب، ومهما عظم البلاء، ومهما حاصرتنا قوى الشر فإننا نتطلع إليه كما كان (الإمام الخميني) يتطلع إليه.
كانت الدنيا تهجم عليه وكانت القوى الشيطانية تتحداه ليخاف، ليسقط، ليتراجع، ليتنازل عن كلمة من كلماته، كانوا يريدونه أن يخاف. ولكنه لم يكن يتطلع إلى كل هؤلاء. كان فيصلاته وفي ابتهالاته وفي خشوعه بين يدي الله قد عاهد الله أن يكون عبده ولا يكون عبداً لغيره.
عاهد الله أن يخافه ولا يخاف غيره، عاهد الله أن يجاهد في سبيله وكان عندما انطلق وحده وانطلقت الأمة معه. وقال للأمة التي كان يتساقط بعض أفرادها، وكان يتعب بعض أفرادها.. لو بقيت وحدي فسأكمل الطريق، وكان يريد للأمة أن لا تذره وحده لأن المسألة ليست مسألته، ولكن المسألة مسألة الإسلام.
قلوبنا دامية
لهذا نحن عندما نقف الآن وقلوبنا دامية، وعيوننا عبرى، ونشعر أن المصيبة تكاد تتجاوز طاقاتنا، لكننا عندما ننفتح على الله الذي كان ينفتح عليه، نقرأ قول الله الذي جعله برنامجاً لكل المؤمنين من القيادات، سواء كان القائد نبياً، أو كان إماماً أو ولياً أو عالماً: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). لقد انتقل محمد (ص) إلى الرفيق الأعلى وبقيت رسالة الإسلام، وقد انتقل الأئمة (ع) أو الصحابة الأصفياء والعلماء والمجاهدون إلى الرفيق الأعلى وبقي الإسلام، لذلك نحن عندما نفتقده وعندما نفجع به، وعندما نعيش كل هذه المأساة علينا أن نتعرف أنه كان يعيش هم الإسلام في كل مجالات الحياة. كان فكره فكر الإسلام، وكانت مواقفه مواقف الإسلام وكانت علاقاته مع الناس كلهم تنطلق من خلال ان يدرس الموقف هل للإسلام مصلحة في أن يربط هذه العلاقة بهذا الجانب أو يقطع تلك العلاقة بذلك الجانب.
عندما تجلس إليه ليحدثك بكلماته القصيرة كنت تجد وكنا نجد أن كلمة الله وكلمة الإسلام تنطلق لتكون بداية حديثه، ولتكون حركة حديثه، ولتكون نهاية حديثه، لأن قلبه وروحه وعقله وكل طاقاته كانت للإسلام.
هل تريدون العيش معه
لهذا هل تريدون أن تعيشوا معه وأن يبقى معكم؟
هل تريدون الوفاء لمسيرته؟
هل تريدون أن تتحركوا في عاطفتكم من خلال كل حياته؟
اخلصوا للإسلام، واعملوا للإسلام والتزموا بالإسلام ولا تخافوا من أحد أي أحد أن يتهمكم بأية تهمة إذا التزمتم بالإسلام.
إن الكثيرين يريدون أن يعقدونا فيما نطرح من كلمة الإسلام ومن شعار الإسلام، لنسحب الإسلام من شعاراتنا حتى يرضي الآخرون عنا ولنبتعد عن الإسلام في مواقفنا، حتي يقترب الآخرون إلينا. إننا تعلمنا منه، وقد تعلم من القرآن، وقد تعلم من رسول الله (ص) أن يكون الإسلام كل حياتنا وكل دعوتنا.
وهكذا، اننا ونحن لا نزال نعيش حرارة المصاب والفاجعة، في كل قلوبنا الحرى وفي كل عيوننا العبرى، لا نزال نشعر أن الأمانة التي وضعها في أعناقنا كبيرة كبيرة،وثقيلة ثقيلة. لقد حمل أمانة رسول الله (ص) وهي الإسلام على كتفيه مدة تزيد عن ربع قرن في خط الجهاد. وكان قد حملها مدة تزيد عن عن نصف قرن في خط الفكر والتخطيط. لقد حمل الأمانة لأنه عرف أن رسول الله (ص) يحمل الأمانة للعلماء بالله، العارفين بالله لأنه كان يقول وهو يؤكد ولاية الفقيه العادل : (العلماء ورثة الأنبياء) وكان يقول لكل العلماء الذين ينسحبون من مسؤولية الحياة، ومن مسؤولية الجهاد، ومن مسؤولية المواجهة، ان معنى أن ترثوا الأنبياء أن ترثوا كل فكر الأنبياء وكل حركة الأنبياء، وكل جهاد الأنبياء وكل تضحية الأنبياء. أن تعيشوا للناس كلهم، وأن تعيشوا آلام الناس كما عاش الأنبياء آلام الناس، ليس معنى أن ترث الأنبياء أن ترث علومهم التي بثوها، بل في حركة هذه العلوم في حياة الناس حتى تكون كلمة الله هي العليان وكلمة الشيطان هي السفلى.
كان يشعر أن العلماء أمناء الرسل كما ورد عن رسول الله (ص) وكان يسمع الحديث الشريف : "العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قالوا وما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان..".
كان يشعر أن على العلماء العارفين بالله ان لا يتبعوا السلطان الجائر، وأن لا يتبعوا السلطان المنحرف، أن يعملوا على أن يكون الإسلام هو السلطان وأن تكون القيادة الإسلامية، هي القيادة التي تتحرك من اجل أن تحرك السلطة في خط الإسلام.
الإسلام أمانة اوصانا بها
كان بفكر بهذه الطريقة ولذلك كان يشعر أن الإسلام أمانة، ليس أمانة في عنق العلماء فحسب ولكنه امانة في عنق المسلمين أيضاً. نحمي ذكر الإسلام ونحمي شريعة الإسلام ونحمي خط الإسلام ونحمي منهج الإسلام.
ولهذا وقف في آخر حياته، وقف ليتوهج وليبرز إلى العالم كله في ثورة جديدة منطلقة في اتجاه آخر.. كانت أوروبا تقترب من إيران من أجل أن تحتويها، وكانت أمريكا تغازل إيران من أجل أن تقترب منها، وكان العالم يقول بأن إيران تحركت من أجل أن ينطلق الخط الليبرالي في مواجهة الخط المتطرف. وكانت مسألة سلما رشدي، كان كتابه يحرك الاحتجاج عليه في دوائر صغيرة، مظاهرة هنا ومظاهرة هناك. ولم يكن سلمان رشدي بدعاً من المرتدين ولم يكن بدعاً من الناس الذين يصدرون الكتب ضد الإسلام وضد نبي الإسلام، ولكن كان سلمان رشدي فيما دعاه الإمام رحمه الله ورضي الله عنه رمزاً لخطة تتحرك في العالم المستكبر من أجل أن تفسح المجال لمواجهة الإسلام في الصميم، لكي ينطلق العالم المستكبر ليقول أن الحرية الفكرية تفرض علينا أن نسمح لكل الكتاب أن يهاجموا نبي الإسلام وأن يسبوه وأن يشتموه، وأن يتحدثوا عنه بطريقة سيئة. وتحركت المسألة تحت مظلة حرية الفكر هنا وحرية الفكر هناك ووقف الإمام بوعيه وكانت وقفاته تنطلق من إلهام روحي يدرس فيه الساحة ثم يعمل على أساس أن يحركها ويفجرها. وأصدر فتواه التاريخية التي تحدى فيها كل القوانين الأوروبية وغير الأوروبية والتي كانت تقول أن قيادة الإسلام ان قيادة الإسلام عندما تصدر حكماً فإن الحدود لا تقف أمامها، وان الحواجز الرسمية لا تقف أمامها، وان كل ذلك لا يقف أمامها. أصدر فتواه (فليقتل هذا المرتد) ليكون عبرة لكل الذين يتحركون بهذه الطريقة، وأصدر فتواه، فليقتل كل الذين يحركون هذا الخط في مجال النشر والتوزيع، ووقف العالم وانطلقت التهاويل، وانطلقت الضغوط وخاف بعض الناس على إيران، وخاف بعض الناس على المسيرة الإسلامية، وانطلق أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة يتحدثون بطريقة محرجة لأنهم يريدون أن يواجهوا شعوبهم الإسلامية من جهة، ويريدون أن يواجهوا أسيادهم في الغرب من جة أخرى، وبقي الإمام يتحدث إلى الأمة، لم يكن يتحدث بطريقة رسمية، بل بطريقة إسلامية يخاطب فيها الأمة، كل الأمة بعيداً عن كل الحواجز المذهبية التي يتحرك فيها الناس.
واستطاع أن يضع ثورة جديدة أعادت الروح إلى المسلمين في العالم كله، واستطاعت في النهاية أن تجعل المستكبرين يضعفون ويتراجعون.
واجب العلماء والأمة
لقد كان يرى أن من واجب العلماء والمسلمين، ومن واجب الأمة الإسلامية كلها أن تحافظ على الإسلام أن تحمي الإسلام الفكر والشريعة والخط والمنهج، ثم انطلق إلى المسلمين وإلى حياتهم، وإلى المستضعفين وإلى حياتهم ليواجه العالم. لأنه كان يشعر أن الإسلام ليس حالة وطنية أو قومية، إن الإسلام هو دعوة إلى الله إلى العالم ولذلك كان يفكر في حجم العالم.
وكان يفكر في مسألة العدالة في حجم العالم، كانت تشتد الضغوط عليه من هنا وهناك وكان يفكر لو كان رسول الله موجوداً الآن فماذا يصنع، لو كان رسول الله موجوداً الآن فكيف يتكلم، لو كان رسول الله موجوداً الآن فكيف يتحرك.. كان يستلهم مواقف رسول الله لتتحرك مواقفه في خط مواقفه، وكان يستوحي كلمات رسول الله لتتحرك كلماته في خط كلماته، واستطاع أن يبعث الثورة في قلوب المسلمين كلهم، أن يقف المسلمون ليفهموا أن كلمة لا إله إلا الله لا تعني كلمة دينية يختنق فيها المسلم ولكنها تعني كلمة شاملة يعيش فيها المسلم العبودية لله وحده، والحرية أمام العالم كله، واستطاع أن يجدد حريتنا، واستطاع أن يجدد تطلعنا للمسؤولية في الحياة واستطاع أن يجدد حركة الإسلام في حياتنا، واستطاع أن يبعث فينا القوة عندما كنا الضعفاء يتخطفنا الناس في كل مكان.
استطاع أن يقول لنا أن عليكم أن تحاربوا الاستكبار العالمي في الداخل كما تحاربونه في الخارج وأن الاستكبار ينفذ إلى الداخل من أجل أن يحاربكم في داخل حياتكم الإسلامية حتى تتراجعوا أمامه في الداخل فيسهل عليه أن يطوقكم في الخارج.
ولذلك خاض الحرب مع المنافقين ومع عملاء الاستكبار، وخاض الحرب مع الاستكبار كله ولقي ربه وهو يخطط لاستكمال الحرب، ويريدنا أن نكون جيل الإسلام الثائر، وكان يريدنا أن نكون جيل الإسلام الحر، وجيل الإسلام القوي الذي يستمد القوة من الله والذي يتحرك من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.
أمسكوا بالأمانة
وعلينا، وقلوبنا تعتصر من الحزن الآن، وعيوننا تنزف دماً ودموعاً أن نمسك الأمانة كما أمسكها وأن ننطلق في الدرب كما انطلق فيه، وأن نكمل المسيرة التي بدأها لأنها مسيرة الأنبياء.
كان لا يخشى في الله لومة لائم. وعلينا أن لا نخشى في الله لومة لائم، كان لا يخاف من كل الهجمات الإعلامية والسياسية والأمنية عليه فعلينا أن لا نخاف من الهجمات الإعلامية والسياسية والأمنية، علينا أن نتحرك على أساس أننا جيل الإسلام، إذا سقطت منا قافلة فستنطلق قافلة أخرى أمامها حتى تكمل طريقها وإذا غاب عنا قائد فسيفيض الله لنا القيادات التي تحمل المسؤولية. وتحمل الراية.
لقد كان (الإمام الخميني) المسلم الواعي فكونوا المسلمين الواعين، وقد كان المسلم التقي، فكونوا المسلمين الأتقياء، وقد كان المسلم العادل فكونوا المسلمين العادلين، وقد كان المسلم الصادق فكونوا المسلمين الصادقين، وقد كان المسلم الحر فكونوا المسلمين الأحرار. وقد كان المسلم العزيز بالله فكونوا المسلمين الأعزاء بالله.
كان يريد للمسلمين أن يشعروا بأصالتهم الإسلامية، وأن ينفتحوا على غيرهم من موقع الإسلام، لا من مواقع غيره، وكان يريد للمسلمين عندما يدخلون في حسابات التكتيك أن لا يشغلهم التكتيك عن الاستراتيجية، وأن يظل الإسلام في قواعده هو الأساس في ذلك كله.
لقد كان الثائر الصلب في وجه الاستكبار العالمي فكونوا الثائرين الذين يزادودون صلابة في وجه الاستكبار، كان الثائر الصلب في وجه الصهيونية فكونوا الثائرين الصلبين في وجه الصهيونية، كان الثائر في وجه التخلف والجهل وفي وجه كل الظلم الداخلي فكونوا الثائرين في هذا الطريق.
هل ذهب من بيننا
هل ذهب من بيننا؟
لم يذهب، كان جسده للناس الذين حوله، لكن كان خطه وكانت رسالته للأمة كلها، وللأجيال كلها، لقد انطلق من موقع الإسلام فعلينا أن ننطلق من حيث انطلق.
ونقول لكل الذين خططوا في الغرب وفي الشرق، وفي داخل لبنان وفي خارج لبنان، ولكل الذين يخططون لمرحلة ما بعد الخميني كما يقولون ليضعفوا الثورة، وليضعفوا الحركة الإسلامية وليقضوا عليها وليحاصروها على أساس أن القائد إذا ذهب فستسقط الأمة من بعده وإن القائد عندما يذهب من المعركة فسيتفرق الجنود من المعركة.
كلنا خمينيون
إننا نقول لكل هؤلاء أننا نعرف أنه كان قوة لنا وكنا نستظل به وأنه كان المرشد لنا، وكنا نتحرك من خلال ارشاداته ولكن إذا غاب الإمام الخميني وهو الكبير الكبير، وهو الشخصية التاريخية الإسلامية المميزة، إذا غاب الإمام الخميني من بيننا فقد ترك في شخصية كل واحد من الأمة جزءاً من ذاته وجزءاً من خطه وجزءاً من فكره، إذا كان الخميني واحداً في حياته فكلنا خمينيون بعد وفاته لسنا خمينيين بمعنا الذات فنحن لا نرتبط بالذات ولكننا خمينييون بمعنى المنهج وبمعنى الخط، وبمعنى الثورة وبمعنى القيادة التي تحرك فيها في خط الإسلام. لقد أصبحت الأمة تمثله في تطلعاتها وفي خطها، ولذلك فإننا نريد أن نقول لكل الأخوة، نقولها لأخوتنا المجاهدين في إيران في مواقع القيادة وفي مواقع القاعدة، ونقول لأخوتنا وأبنائنا المجاهدين في لبنان، في موقع القيادة وفي موقع القاعدة، ونقول لكل أخواننا المسلمين في العالم كله، إن علينا أن نستعد كأعلى ما يكون الاستعداد، وأن علينا أن نكون الواعين كأعلى ما تكون درجات الوعي. لا تسقطكم الدموع، ولا تسقطكم الأحزان، ولا تتراجعوا ولا تهنوا، ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.
إننا قد نواجه مرحلة صعبة يتحرك فيها الكفر كله والاستكبار كله، من أجل أن يستغل فرصة الحزن التي قد توجي بالضعف، وفرصة الدموع التي قد توحي بالمأساة وبالسقوط من أجل أن يدخل في صفوفنا بطريقة وبأخرى قد يستغل ذلك من أجل أن يفرض علينا فتناً ومعارك في الداخل، وقد يستغل كثيراً من المنهزمين ومن المضللين لكن علينا أن ننطلق لأننا في خط المواجهة على أساس أن المرحلة الآن أصعب وأن المرحلة الآن أقسى.
لقد قال شخص عندما قيل في (أُحد) لقد قتل محمد، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن يعبد رب محمد فإن رب محمد لم يمت فتعالوا نقاتل على ما قتل عليه، ونسير على ما سار عليه.
إذا كان الناس الذين آمنوا بقيادة الإمام رحمه الله، التزموا بشخصه فقد ذهب شخصه، وإذا كان الناس، وكلنا هؤلاء الناس قد التزموا برسالته التي هي رسالة الإسلام، وبنهجه الذي هو نهج الإسلام فتعالوا نلتزم ما التزمه، وتعالوا نسير على ما سار عليه، وتعالوا نجاهد فيما جاهد به.
لقد عاش للإسلام، فلنعش جميعاً للإسلام، ولقد مات في سبيل الإسلام فلنمت في سبيل الإسلام.
كان شهيد الإسلام في كل المعركة
لم يكن شهيداً يسقط في المعركة من خلال دمائه ولكنه كان شهيد الإسلام في كل معركة، كان شهيداً مع كل الشهداء، وكان جريحاً مع كل المجروحين، وكان مشرداً مع كل المشردين، وكان معذباً مع كل المعذبين، لأنه كان يحمل همَّ كل هؤلاء ولذلك إننا نقول له : لقد انتقلت إلى جوار ربك ونحن نشعر الآن بالخسارة كل الخسارة، كنا ننظر إلى عينييك وهما تلمعان بالقوة فنستمد من نورهما نوراً للطريق المظلم وكنا نستمع إلى كلماتك وهي تمنحنا الوعي فكنا نتحرك في خط الوعي الذي تعطيه الكلمات. كنا نحس بالأنس بك في كل وحشة الزمان وكنا نحس بالحب لك في كل حالات البعد كنا نعيش معك حتى وأنت بعيد عنا، كنت أبانا، كنت قائدنا، كنت الإمام الذي نتَّبع خطواته، كنت الروح التي نزداد فيها روحاً، كنت القلب الكبير الذي يتحرك حتى يعطي قلوبنا اطمئناناً، كنت الكثير، لقد اتعبتنا من بعدك ولكننا يا أبا مصطفى،ولكننا يا إمام الأمة نقف أمام مصابك لنقول كما كما قال رسول الله (ص) عندما وقف أمام جسد ولده إبراهيم : (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضي الله) وإنا لفقدك يا إمام الأمة لمحزونون، نحزن ولكن حزننا لن يسقطنا نبكي ولكن بكاءنا لن يهزمنا، نحزن حزن الثورة ونبكي بكاء الثورة رضاً بقضاء الله وقدره.
أعنَّا يارب بعده
اللهم إننا نعرف أنك يا ربنا تعرف الخير الذي لا نعرفه وتنطلق من الحكمة التي لا نعرفها رضاً بقضائك تسليماً لأمرك، أعنا يا رب على أن نواصل الطريق بعده، أعنا يا رب على أن نخلص الإسلام من بعده، أعنا يا رب على أن نكون السائرين في دربه، أعنا يا رب على أن نكون في سبيل الصالحين، إجعلنا يا رب من صالح من بقي، خذ بنا سبيل الصالحين.
اذهب إلى جوار ربك مع النبيين والصديقيين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.
إننا نعطيك عهد الله وعهد الرسول وعهد الأئمة (ع) وعهد الإسلام كله، إننا سنظل في خط السير الذي تسير تسير فيه سننطلق في مواجهة كل التحديات حتى لو جرحنا حتى لو شردنا جتى لو سببنا، حتي لو اتفق العالم كله ضدنا سنبقى معك، مع فكرك، سنبقى معك مع خطك، سنبقى، ونبقى، ونبقى حتى نلحق بك عند الله مجاهدين أو شهداء.
سنبقى في هذا الخط رضى بقضاء الله وتسليماً لقضاء الله.
أيها المؤمنون أيها السلمون، أيها الأحرار، أيها العاملون في سبيل الله لقد دقت ساعة العمل ولا مجال للاسترخاء، لقد دقت ساعة الجهاد ولا مجال للهروب فتعالوا نقاتل على ما قاتل عليه ونتحرك فيما تحرك به، نسأل الله أن يرفع درجته في عليين وأن ينصر الإسلام والمسلمين.
وآخر دعواتنا أن الحمدلله رب العالمين.
المصدر: صحيفة العهد - 259