نشر قسم الشؤون الدولية في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني(رض) كتاباٌ تحت عنوان(القبس الساطع للثورة الإسلامية الإيرانية)حيث يقدم هذا الكتاب نظرة إلى سيرة الإمام الخميني وتراثه السياسي.
الكتاب الذي طبعته مؤسسة عروج هو من إعداد الدكتور محمد حسين جمشيدي و ترجمه الدكتور فالح الربيعي و قام بمراجعئ الكتاب منير مسعودي.
وجاء في مقدمة الكتاب: يعتبر الإمام الخميني من كبار علماء المسلمين في العصر الحديث وأحد الرجال الذين صنعوا التاريخ في العالم الإسلامي، إذ أن سماحته لم يقد ويوجّه ثورة كبرى صانعة للإنسان في الثلث الأخير من القرن العشرين فحسب، واستطاع رغم كل القيود والعقبات الكثيرة أن يشرق كشمس ساطعة في سماء الحضارة الإسلامية _ الإيرانية في مرحلة تكتنفها الظلمات، ويؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران بإرشاداته وتوجيهاته؛ وإنما أخذ على عاتقه قيادة الدولة الإسلامية وتشييد أركانها وأسسها طوال عشر سنوات، وعمد على هذا الاساس إلى التأسيس لفكر هام ونظام جديد في تاريخ هذا البلد. لقد استطاع بتوجيهاته المستوحاة من سيرة الرسول (ص) وتفاعل الشعب الإيراني الوفي، أن يحطم غرور قوى العالم الغربي وينشر الوعي وروحية النهضة بين مسلمي العالم.
ان الثورة الإسلامية في إيران، باعتبارها حقيقة ملموسة وحية، إنما هي حصيلة فكر هذا الرجل العظيم؛ الفكر الذي من شأنه أن يكون حركياً وموجهاً ومحيياً للآمال لا بالنسبة إلينا نحن الإيرانيين فحسب بل ولجميع شعوب العالم. إذ استطاع سماحته ان يقدم فكراً أساسياً في هذا المجال باعتباره المشيّد لنظام الجمهورية الإسلامية ومديره وقائده والمنظر الإيديولوجي له.
لا شك في أن فكر الإمام الخميني مستلهم من الدين الإسلامي والحكمة السياسية للمفكرين والعلماء المسلمين وعلم الكلام الإسلامي، ومتأثر بالعرفان الإسلامي والعرفاء المسلمين، والفقه الإسلامي والفقهاء المسلمين. وفي هذا المجال، فإن ما يطغى على مؤلفات الإمام أكثر من أي موضوع آخر، هو تأثرها بالعرفان والآراء العرفانية للعرفاء الكبار والرؤية الفقهية الشيعية.
إن معرفة السيرة السياسية للإمام الخميني ومؤلفاته، تحظى بأهمية بالغة بالنسبة لنا حتى وإن كانت هذه المعرفة مختصرة، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً، لأنه هو نفسه يعد أحد كبار المفكرين المسلمين ومن اتباع مدرسة الإمام علي (ع) وأولاده المعصومون على وجه التحديد، أي المدرسة الشيعية.
ثانياً، أن آراء وأفكار الإمام الخميني السياسية ذات أهمية بالغة، وان التعرف عليها ودراستها بوسعه أن يعالج الكثير من قضايا مجتمعنا المعاصر.
ثالثاً، أن الإمام الخميني قائد ثورة كبرى، ثورة استطاعت أن تطيح بأحد الأنظمة المستبدة والعميلة وتؤسس على انقاضه الجمهورية الإسلامية. ولا يخفى أن قائد كل ثورة يحمل أفكاراً ووجهات نظر أساسية وحاسمة بالنسبة لهذه الثورة والنظام المنبثق عنها. وعلى هذا الأساس فإن من أهم السبل واكثرها تأثيراً في التعرف على أية ثورة والإحاطة بأبعادها المختلفة، يتمثل في معرفة أفكار قائدها وابعاد حكومتها. ولذلك فإن من الواجب أن ندرس بدقة شخصية الإمام الخميني والإحاطة بها بشكل صحيح، من أجل معرفة الثورة الإسلامية الإيرانية ونظام الجمهورية الإسلامية.
رابعاً، أن الإمام الخميني ليس مجرد قائد ثورة شعبية كبرى وإنما مؤسس نظام سياسي ومديراً له؛ بل أن سماحته أسس نظام الجمهورية الإسلامية بفضل جهود وتضحيات الشعب الإيراني، واشرف لمدة عشر سنوات على إدارة هذا النظام ورعايته وقيادته. ولا شك أن إدارة المجتمع على مدى عشر سنوات، تجربة سياسية ضخمة من شأنها أن تؤدي دوراً أساسياً في بلورة آراء الإمام وأفكاره السياسية. اضف إلى ذلك، ان فهم تجارب سماحته النظرية والعملية خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً، من شأنه أن يمهد الطريق لإصلاح أوضاع المجتمع في الكثير من الحالات.
وعليه فإن فكر سماحته ومواقفه العملية مترابطان من جهة، كما أن بوسع سيرته السياسية أن تسلط الضوء على أفكاره ووجهات نظره من جهة أخرى، مما يؤديان دوراً هاماً في ترسيخ استنتاجاته النظرية، أو أن يسهمان إسهاماً أساسياً في تكوّن الفكر السياسي لنظام الجمهورية الإسلامية واركانه. ولذلك سنركز اهتمامنا هنا على الآراء والأفكار السياسية لمفكر مارس بشكل عملي إدارة مجتمع انبثق عن الثورة، ولاشك في أن هذه التجربة تركت تاثيرها على آرائه وأسهمت في تعميقها.
خامساً، أن الإمام الخميني إنسان مناضل يدعو إلى العدالة ويحارب الظلم، بحيث إن المطالبة بالعدالة ومحاربة الظلم تحتلان الصدارة في مشاريعه العملية ومواقفه السياسية. ونظراً لأن المناضلين والمطالبين بتحقيق العدالة يحملون عادة أفكاراً على قدر كبير من الأهمية في مجال تحرير البشر من الظلم والجور والاستبداد، ولذا فإن دراسة أفكاره تعد بالنسبة إلينا ذات أهمية بالغة.
وأخيراً وكون الإمام الخميني عالماً ومفكراً يتمتع بالتخصص والمهارة في المجالات المعرفية المختلفة كالفقه، والعرفان، والفلسفة، وعلم الكلام والتاريخ والتفسير، لذا فإن رؤيته وسيرته باعتباره عالماً واعياً ومتخصصاً جمع بين الخبرة والالتزام والتقوى، تعدان نموذجاً وقدوة بالنسبة لنا.
وبشكل عام واستناداً إلى ما سبق، فإن دراسة آراء الإمام الخميني وأفكاره ومواقفه، من شأنها أن تشكل سراجاً منيراً في طريق جيل الشباب، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار القضايا المتحولة للمجتمع.
لقد اعدّت دراسات وبحوث عديدة فيما يتعلق بسيرة الإمام الخميني ونهجه ومواقفه السياسية، وأن كل واحدة من هذه الدراسات تستحق بحد ذاتها الشكر والتقدير. ولكن الأهم من ذلك هو أن معظم هذه الدراسات تناولت جانباً أو بعداً واحداً من الأبعاد السياسية لشخصية الإمام الخميني وتجاهل الأبعاد الأخرى. في حين أن هذا النوع من الدراسات الأحادية الجانب يحول دون أن إدراك سيرة حياة سماحته بشكل كامل وشمولي. كما أن غالبية الدراسات التي أجريت في هذا المجال تبدو ناقصة من حيث التوثيق، وان إستند عموماً إلى المذكرات أو مجموعة نداءات الإمام وخطاباته دون الرجوع إلى الكثير من آثاره المكتوبة وغير المكتوبة. ولذلك فإن هذا النوع من المؤلفات والدراسات لا يمكنه أن يقدم صورة شاملة ونموذجية لسيرة الإمام الخميني ومواقفه السياسية. كما أن البعض من هذه الآثار تم تأليفها استناداً إلى توجه خاص (أحادية الخطاب). ولا يخفى هذا أن النوع من الكتابات يمكن أن يحظى بالاهتمام في الغالب باعتباره مادة دعائية وإعلامية للذين يطرحون الاتجاهات المعينة، أكثر من كونه يقدم صورة نموذجية عن آراء الإمام الخميني وسيرته. ثم إننا نلاحظ أن بعض الآثار تم تأليفها على ضوء رؤية منحازة آخذة بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية ومتطلبات المرحلة وبالتالي قدّمت تصورات مسبقة، كما كُتب البعض منها وفق رؤية ذات نزعة عامة دون الأخذ بعين الاعتبار القيود الزمانية والمكانية الخاصة ومتطلبات عصر الإمام الخميني.
كما نلاحظ في بعض المؤلفات المدونة في هذا المجال، تقارير دقيقة عن النشاط السياسي للإمام الخميني بهدف تسليط الضوء على سيرته، ورغم أن هذه التقارير تكشف لنا عن جانب من الحقيقة إلا أنها لا يمكن أن تقدم صورة ناطقة ونموذجية عن كافة إبعاد سيرة هذه الشخصية الفذة، ذلك أن التقارير الدقيقة والمفصلة، أو تقرير حياته اليومية، تركز اهتمامها على سيرته وحياته الشخصية بشكل مجزّّأ وغير مترابط بل ودون أن تأخذ بنظر الاعتبار مسيرة تحولها.
وكي يتسنى دراسة سيرة أحد المفكرين وآثاره السياسية، خاصة عندما يكون الهدف إعداد مجموعة مختصرة توضع في متناول جميع شرائح المجتمع، فإن من الضروري الالتفات إلى عدة ملاحظات، أولها أن الهدف من دراسة سيرة شخصية ما وآثارها إنما هو تقديم صورة نموذجية وناطقة عن هذه الشخصية وعن آثارها، ولذلك يجب أن يكون هناك نوع من التكامل في الدارسة والبحث بحيث يتسنى لهما أن يقدما للقراء ملامح وصورة مثالية وناطقة ومختصرة في الوقت نفسه. وفي ضوء ذلك يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار قضيتين مهمتين في دراسة السيرة السياسية للإمام الخميني، وهما الوضوح والشمولية مع مراعاة الاختصار.
الملاحظة الثانية هي أن من الواجب عند دراسة سيرة شخصية ما، أن نلتفت إلى ضرورة تحديد النواة الرئيسية لرؤيتها ونمط تفكيرها ونهجها السياسي وأن يتم فصلها وتمييزها عن الأمور الهامشية والسطحية. وهنا يوجد نوع من التركيز ولكن يجب أن لا يؤدي إلى نسيان الجوانب الأخرى من حياته ومقتضيات عصره والتي تعد بطبيعة الحال فرعيةً أكثر.
الملاحظة الثالثة هي أن من الواجب في دراسة حياة شخصية سياسية دينية ما، الفصل بين الاستنتاجات الشخصية والجماعية وبين النص والمضمون الأصليين. ذلك لأن الخلط بينهما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة وبالتالي بقاء سيرته وحياته وقراراته وحقيقة سلوكه خافية وراء الاستنتاجات الشخصية والفئوية وقد يتم التكتم عليها أحياناً.
الملاحظة الرابعة، لابد لنا من الالتفات إلى أن الاستنتاج من الكلام أو التفسير الدقيق للوقائع والأحداث، لا يمكن أن يجدي إلا عندما يكون نطاق البحث واسعاً للغاية أو يحدث ضمن إطار خاص. في حين أن الاستنتاج المفصل من الأحداث والسلوكيات سوف لا يكون مجدياً ومفيداً في دراسة السيرة السياسية والشخصية ذات الأبعاد المتعددة والمتباينة، وما أكثر ما تؤدي إلى ظهور تعارض في سلوك ذلك المفكر وانجازاته ووجهات نظره. فالصورة العامة والشاملة في دراسة سيرة شخصية ما خاصة نشاطها السياسي، تحظى بأهمية تفوق إلى حد كبير أهمية دراسة الأجزاء في قالب التحليل الدقيق والمفصل لسلوكيات تلك الشخصية ورؤيتها ومواقفها العامة. اضف إلى ذلك ان مثل هذا الاستنتاج يؤدي إلى إلغاء الروابط الداخلية والأصولية لسلوك تلك الشخصية ورؤيتها ومواقفها العامة وانعدام الانسجام فيما بينها. في حين أن الرؤية والسلوك العامين والشاملين يؤكدان على تماسكها وانسجامها الداخلي.
الملاحظة الخامسة، هي أن الالتفات إلى الأسس الفكرية والمقتضيات الزمانية والمكانية لدى دراسة شخصية هامة، يحظى بأهمية بالغة لأنها تشكل أسس السلوك. ومثل هذا يتمتع بأهمية أكبر بالنسبة للإمام الخميني لأنه كان يتعامل مع السياسة والقضايا السياسية برؤية شاملة وعالمية ومعنوية ومن منظار عالمي ومعرفي.
والأهم من كل ذلك، لابد أن نعلم بأن السيرة السياسية يجب أن تقدم بشكل تكون أولاً ممهدة للطريق بمعنى ترسم مستقبلاً واضحاً ومضيئاً أمام القراء، أو أن تطرح كنموذج القدوة بالنسبة لأفراد المجتمع على الأقل. وعلى هذا فإن الهدف الذي يحتل مكانة سامية في الفكر السياسي يتمثل في التبشير والإنذار، وتلافي الاحتياجات المتسببة في المآسي، والتحذير من الوضع السيء السائد، أو دق جرس الانذار من أجل المحافظة على الوضع المطلوب أو تحقيق الأفضل، بحيث يحول دون أن تسوء الأمور أو تزداد سوءاً، ويؤدي إلى تحسنها. وتتمثل رسالة الفكر السياسي في أن يمنع البشرية من الرؤية المنحرفة وعبادة الهوى في إدارة الأمور ويقودها إلى العدالة والحقيقة. وفي غير هذه الحالة فإن دارسة السيرة والمؤلفات السياسية لمفكر وعالم ما، يمكن أن تضيء الطريق أمامنا إلا أنها لا يمكن أن تكون حركية. إن الهدف الأولي للسيرة السياسية يكمن في الحركية، والتمهيد للطريق، والقدرة على التغيير، وإيجاد النظام المطلوب وتحقيق الرسالة السامية. وثانياً، يجب دارسة السيرة السياسية وبحثها بشكل بحيث تحدث تغييراً وتحولاً في طبيعة النظام السياسي للمجتمع وماهيته.
وعلى هذا الأساس سعينا في هذه الدراسة لتقديم صورة عامة وشمولية عن سيرة الإمام الخميني ومؤلفاته، وإن كانت مختصرة، متحاشين الرؤى الأحادية البعد أو ذات التوجهات الخاصة أو التعامل الفئوي.. صورة تأخذ بنظر الاعتبار فهم حقيقة سيرة سماحته ومؤلفاته وتخلو من الاستنتاجات والرؤى الأحادية البعد والخطاب.
وعليه فقد تناولنا البحث في أربعة محاور عامة هي: مقتضيات الزمان والمكان، والسيرة السياسية ونظرة عامة إلى الرؤية الفكرية والرؤية السياسة لسماحته. ولذلك جاء الكتاب مؤلفاً من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
ركزنا اهتمامنا في المقدمة على ضرورة دراسة الموضوع وأهميته، وأولويات الدراسة، والهدف من الدراسة وأسلوبها وتنظيمها في إطار طرح نظري وبحثي عام. وقد اختص الفصل الأول بدراسة المقتضيات الزمانية. وضم الفصل الثاني السيرة السياسية للإمام الخميني بشكل مختصر لايتعدى الإشارات. وتناولنا في الفصل الثالث المواقف السياسية المهمة والعناوين السياسية في بعض مؤلفات الإمام الخميني الهامة. فيما ضمت الخاتمة فهرساً بالمصادر.
نأمل أن نكون قد وفقنا في هذه الدراسة إلى الإسهام في تقديم صورة نموذجية وبارزة لسيرة الإمام الخميني ومؤلفاته السياسية، في إطار بسيط وقابل للفهم لجميع شرائح المجتمع، تساهم في بلورة المعرفة الصحيحة لحياة سماحته السياسية ومنظومته الفكرية.