في الفترة بين حادثة المدرسة الفيضية في شهر شوال وحتى شهر محرم، كان جهاد الأمام الخميني (رحمه الله) ضد نظام الشاه قد تبلور في اصدار البيانات المتعددة المنددة بهذا النظام.
على ان حلول شهر محرم، قد حوّل الأوضاع الى مواجهة واسعة النطاق وكانت ايام شهر محرم افضل توقيت لفضح جرائم النظام البهلوي، وخطط الشاه المعادية للإسلام جهاز السافاك الذي كان يعرف مكانة هذا الشهر لدى الناس وقبل حلوله استدعى عدداً من الوعاظ واخذ منهم التعهدات بأن لا يتحدثوا في المحافل الدينية والمجالس ضد الشاه ولا يمسوا بكلامهم اسرائيل، وان لا يقولوا للناس ان الإسلام في خطر.
وفي اجتماع عقده مع مراجع قم وعلمائها، اقترح الأمام الخميني (رحمه الله) على العلماء، ان يستثمروا يوم عاشوراء ومراسيم العزاء الحسيني لإلقاء الخطب وبيان جرائم النظام وظلمه وتعسفه.
وعلى الرغم من تهديدات نظام الشاه له، توجه سماحة الإمام (رحمه الله) في الساعة الرابعة من عصر يوم عاشوراء من عام 1963 ميلادي الى المدرسة الفيضية.
وبعد ان شرح سماحته في خطابه للعلماء والناس ابعاد فاجعة كربلاء الأليمة، اعتبر واقعة الفيضية شبيهة بما حدث على ربى الطف في صحراء كربلاء في عام 61 للهجرة.
واعتبر الإمام الراحل (رحمه الله) نظام الشاه عميلاً لإسرائيل وان اسرائيل كانت تقف وراء ما حدث في المدرسة الفيضية.
ان خطاب الإمام هذا جاء ضربة قوية للنظام البهلوي وفضح الشاه وجعله اكثر حقارة عند الناس.
ومن بعد يومين على ذلك الخطاب، ومع طلوع فجر يوم الخامس عشر من خرداد من عام 1342 ، 5 حزيران 1963 هاجم جلاوزة الشاه منزل الإمام الخميني (رحمه الله) في مدينة قم المقدسة، وبعد اعتقال سماحته نقل الى العاصمة طهران.
وسجن سماحته اول الأمر في زنزانة انفرادية، ثم نقلوه الى قاعدة عسكرية كانت الحراسة عليها مشددة.
وما ان انتشر خبر اعتقال سماحة الإمام (رحمه الله) حتى شهدت المدن الإيرانية المختلفة، مثل العاصمة طهران وقم وورامين ومشهد وشيراز اعتراضات واسعة ومنذ الساعات الأولى من اليوم، وكانت تلك الإعتراضات مقرونة بشعارات معادية للشاه، ومسائدة للإمام ومؤيدة له.
قوات الجيش التي كانت قد تمركزت في المناطق المهمة في العاصمة طهران، وفي مدينة قم المقدسة فتحت النار على المتظاهرين ، الذين ردوا على عملاء النظام بالعصي والحجارة.
واستمرت المظاهرات في ذلك اليوم واليومين اللذين تلياه وكان ان قتل وجرح آلاف حادثة الأبادة الجماعية التي قام بها النظام البهلوي حين قتل المزارعين مرتدي الأكفان الذين توجهوا من مدينة ورامين جنوب شرق العاصمة الى طهران تضامناً مع الأمام (رحمه الله) ودعماً له.
وبعد ان هدأت الأوضاع عقب نهضة الخامس عشر من خرداد 1342 هـ. ش 1963 ميلادي، وفي لقاء صحفي اجرته معه صحيفة/ هيرالد تريبون/ هدد اسدالله علم رئيس الوزراء بأن الأمام الخميني (رحمه الله) وبعض العلماء سوف تتم محاكمتهم في محكمة عسكرية، ومن الممكن ان تصدر احكام الإعدام ضدهم وبعد يومين من ذلك، ألقى الشاه خطاباً اعتبر فيه بيانات الأمام الخميني (رحمه الله) والمظاهرات التي قام بها ابناء الشعب قد جاءت بتحريك ودعم مالي من قوى اجنبية وادعت في حينه، وسائل اعلام نظام الشاه ان شخصاً يسمى / عبد القيس/ قد سافر من بيروت الى طهران، وعندما نزل في مطار مهرآباد الدولي، اكتشفت قوى الأمن والجمارك لديه مبلغاً من المال قدر مليون تومان ايراني ، واعترف ذلك الشخص بأن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد كلفه ايصال هذه الأموال الى اناس معينين في ايران.
على ان هذا الأدعاء قد لقي النقد الكثير في داخل البلاد وخارجها لا سيما من الكثير من الصحف والمجلات الأجنبية. كما ان نظام الشاه لم يقدم في ذلك الوقت اي دليل او وثيقة تؤيد هذا الإدعاء.
وبعد عدة ايام من اعتقال سماحة الإمام (رحمه الله) توجه عشرات من مراجع الدين والعلماء الى العاصمة طهران اعتراضاً على هذا الإجراء ودعماً للإمام (رحمه الله).
وبعد شهرين من اعتقال الإمام في قاعدة عسكرية نقل سماحته الى بيت يقع شمال العاصمة وقد مكث سماحته فيه تحت الإقامة الجبرية.
لقد تصور الشاه ان قمع انتفاضة الخامس عشر من خرداد هـ. ش- 1963 ميلادي واعتقال الأمام الخميني (رحمه الله) قد انهيا كل شىء، من هنا اخذ يظهر ان الأوضاع اصبحت عادية في البلاد، وعلى اثر ذلك عمل على عزل اسدالله علم من منصب رئاسة الوزراء، ليوحي بأنه اي علم كان السبب في بروز الأحداث الأخيرة.
ومن بعد علم اسند منصب رئاسة الوزراء الى حسن علي منصور الذي اخذ خلال احد احاديثه يمجد الإسلام ويعتبره واحداً من اكثر اديان العالم بروزاً ورقياً. كما انه راح يتكلم عما اسماه تساهل الشاه مع رجال الدين.
ومن بعد يومين على حديث حسن علي منصور رئيس الوزراء، وفي ليلة 18 فروردين 1343 هـ. ش/ 1964 ميلادي ومن دون اعلان مسبق، وصل الأمام الخميني (رحمه الله) مدينة قم وحظي باستقبال العلماء وابناء الشعب.
في ذلك اليوم، نشرت صحيفة (اطلاعات) مقالاً بعنوان (الثورة البيضاء للشاه وامريكا) جاء فيه:-
(انه لمن دواعي السرور ان يقف علماء الدين الى جانب كل ابناء الشعب في تنفيذ برنامج ثورة الشاه والشعب).
على اي حال في اطار رؤيه تقييمية يمكن القول ان انتفاضة الخامس عشر من خرداد من عام 1342 /1963 ميلادي قد تركت نتائج اساسية لها في الساحة السياسية في ايران وفي التاريخ المعاصر لهذا البلد.
وفي الأمكان اجمال هذه النتائج في النقاط التالية :
اولاً: انتقال قيادة الحركات المعارضة لنظام الشاه الى القادة الدينيين، وتهميش ذوي الميول القومية.
ثانياً: المجزرة التي ارتكبت ضد الجماهير في هذه الإنتفاضة كشفت عن الوجه الكالح للشاه، اذ حتى ذلك الوقت كان يلقى بتبعات الأعمال المعادية للشعب على رؤساء الوزارات فقط. ثم ان هذا الأمر جعل الثوريين لا يطالبون بالإصلاحات فحسب، بل جعلهم يطالبون بإنهاء النظام الملكي برمته، ايضاً.
ثالثاً: من الأمور التي اخذت بعين الإعتبار والإهتمام بعد تلك الإنتفاضة، لزوم طرد كل القوى الأجنبية من ايران.
وسيأتي منا الحديث هنا عن موضوع آخر هو لائحة الحصانة القضائية للأجانب في ايران التي تسمى (كابيتالاسيون) وما اعقب ذلك من تبعيد سماحة الإمام (رحمه الله) عن ايران الى تركيا اولاً ومن بعد ذلك الى النجف الأشرف في العراق