في ظل الغياب الاسلامي الرسمي شبه الكامل.. تأتي دعوة الامام الخميني(قده) لإحياء يوم القدس العالمي، لتكتسب أهمية بالغة في أوساط جماهير الأمة كونها تمثل تحريكاً واعياً لهذه القضية المركزية في حياتهم.
لأن هذا الغياب ـ بل التغيب ـ الرسمي، والاعلامي منه على الأقل، يوشك اذا ما استمر ان يؤثر على حضور هذه القضية في أذهان الشعوب الاسلامية ويجعلها في المستقبل نسياً منسياً، خصوصاً اذا انشغلت تلك الشعوب بلملمة هزائم انظمتها وجراحاتها، بعيداً عن أي سعي نحو حل جذري لوقف سيل تلك الهزائم.
ونظرة متأملة الى دول العالم الاسلامي عامة، والعربي منها بشكل خاص، تكشف عن عمق المأساة الناتجة عن ركض الجماهير وراء تحصيل العيش والانشغال عن قضايا الأمة المصيرية التي ينبغي أن يتمحور حولها الجهاد والركض.
كما تكشف عن حالة الضياع التي تتمظهر أحياناً في حالات تمسكن لا تمت الى الاسلام بصلة، والى حوادث عنف أحياناً أخرى أثناء المطالبة بحقوق جزئية هشة، لا تلبث الأنظمة المخادعة أن تستوعبها وتركب موجتها.
فأمام غياب القضية المقدسة لدى الأمة والتي تتجه الآمال نحوها، وينطلق الجهاد في سبيلها، تصبح الشعوب مهددة بالاختناق في دوامة أزماتها السياسية والمعيشية وسرعان ما تذبل روحيتها وتفقد معنوياتها ويضيع الوطن في نفق التبعية والتآكل الداخلي.
وهذه حقيقة موضوعية ثابتة تحكم مسار جميع الثورات والحضارات والأمم.. فالثورة التي تتقوقع على نفسها ولا تصدر مفاهيمها الىخارج حدودها، هي ثورة محكوم عليها بالسقوط، والحضارة التي لا تخرج من قمقم منشئها هي حضارة محكوم عليها بالزوال، والأمة التي لا تتطلع الى حريتها أو لا تنظر الى أسباب أزماتها هي أمة مهددة بالفناء.
وهنا تكشف سر الالحاح الخميني(قده) على الدعوة لإحياء يوم القدس، واعتباره يوم الاسلام.. واتهامه من لا يشارك في اقامة مراسمه بالمعاداة للدين والتأييد لـ"اسرائيل".
وهنا نفهم أيضاً حجم خطورة الأهداف التي يسعى الاستكبار العالمي وعلى رأسه اميركا والحركة الصهيونية لتحقيقها من خلال ايجاد تسوية سريعة في المنطقة تضمن الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وتلغي حالة الصدام والمواجهة وتضع حداً للتطلع الدائم من قبل الأمة نحو الحرية خارج حدود السجون الاقليمية التي أنشأها لها المستعمر اللئيم.
ونكتشف أيضاً مبررات الاهتمام الاستعماري بمعالجة هذا التطلع المرعب له على مدى سبعين عاماً، لم يوفر خلالها أية وسيلة لالغائه وتحجيمه، فابتدع له قنوات خاصة لا تشكل خطراً على مصالحه وأسس المنظمات الاقليمية والقومية والدولية لاحتوائه وتدجينه، ووجه حركة الانقلابات العسكرية في المنطقة، كما شكل أحزاباً وقوى "ثورية" أيضاً، من أجل تلافي خطره وامتصاص قدرته على انجاز أهدافه.
يوم القدس اذاً.. هو يوم حياة الأمة والارتداد الى ذاتها..
انه مناسبة ثورة ينطلق فيها الاحرار باتجاه استعادة الأرض والكرامة بعيداً عن استخدام القوالب الجاهزة التي صممها المستعمر، وبعيداً عن أساليب النضال المساوم..
انه عودة الى الاصالة.. ودعوة الى التفرد والتمايز على مستوى الشخصية والقيم والتطلعات.
وعلى هذا الأساس سمي "يوم القدس" وليس يوم فلسطين..
"انه ليس يوم فلسطين فحسب، انه يوم الاسلام، يوم الحكومة الاسلامية..
وأخيراً انه مناسبة كبرى.. لدعم المقاومة الاسلامية ضد الصهاينة في مناطق الاحتلال، او على الأقل لاثبات حسن النية تجاهها.
وتحية من "العهد" الى كل أبطال القدس في هذه المقاومة.
المصدر:موقع العهد الاخباري