كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الذكرى الـ٤٣ لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران، والتي عرضت في حرم الإمام الرضا عليه السلام.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم يا زوّار الإمام الرضا عليه السلام في هذه الأيام المباركة التي انتصرت فيها الثورة الإسلامية الميمونة على يد الإمام الخميني العظيم.
السلام عليكم يا زوّار الإمام الرضا عليه السلام وعشاقه والمتفيئين بظلّ جواره، والمستنيرين بعطاءات أنواره، والمسترفدين من فيوضات هداه، والمؤمنين بولايته، والمُستعدّين صِدقاً إنْ شاء الله لنصرته، والتابعين وعياً لمنهجه.
إنّكم وسائر الأمة المؤمنة إذا عرفتم منهج الإمام الرضا عليه السلام، وأدركتُم واجب نصرته، وعرفتُم ماذا تعني ثورة الإمام الخميني “رضوان الله عليه” وخطُّه ودولته بالنسبة للإمام الرضا عليه السلام، تكونوا عندئذٍ قد عرفتم المكانة العظمى لهذه الثورة والدولة وخطِّهِما، والمسؤولية الثقيلة في وزنها -أي في وزن المسؤولية- التي تواجهها الأمة في حماية هذا الخطّ والدرء عنه والمقاومة المستمرة من أجل أهدافه وعطاءات تركيزه وإنتشاره وانتصاره وهيمنته، فما هيمنة هذه الثورة إلا هيمنة الحقّ والعدل والصِدق والهدى والصلاح والفلاح والأمن والسداد والخير والرشاد، ذلك لأنّها وريثةٌ اليوم لثورة الإمام الحسين عليه السلام وحتى ظهور الإمام القائم عجّل الله فرجه، وذلك لأنّ راية هذه الثورة هي امتدادٌ لراية الإمام الحسين عليه السلام، راية كربلاء، راية يوم الطف. وثورة الإمام الحسين عليه السلام كلّها هداية، وراية الإمام الحسين عليه السلام كلّها رشاد.
يا أبناء الأمّة الإسلامية المجيدة..
ابنوا أنفسكم على طريق الله بناءً تغلبون به أنفسكم وعدوّكم، ولا طريق يمكن أن يصل بنا إلى القوّة الصالحة والإرادة القوية العالية، والنفس الرشيدة والتفكير الصحيح، والاندفاعة الشديدة الواعية في مجال الخير، وفاعلية الإنتاج الكريم كما هو الطريق إلى الله، وكما هو منهج الله، والالتزام بالعبودية الخالصة لله.
إنّه طريقٌ واحد، طريق النجاة والفوز والفلاح، ولن تجد أمةٌ غير هذا المنهج طريقاً لفلاحها ونجاحها، ألا وهو طريق الله تبارك وتعالى.
اطلبوا كلَّ سببٍ من أسباب القوّة الصالحة، لتكونوا جُنداً أقوياء صالحين لحماية مكاسب ثورتكم، وهي ثورة المؤمنين والمسلمين جميعاً، ونشر لواء الدولة التي جائت قفزةً عالية في تاريخ الأمة بعد ركود، ويقظةً عالية بعد سبات، وحضوراً ميدانياً قوياً على مستوى الساحة العالمية بعد غيابٍ طويل.
انتصاركُم لخطّ الثورة والدولة العظيمة انتصارٌ لدينكم التي لا ترتفع عنكم مسؤولية الدفاع عنه وحمايته والإعداد والاستعداد للذود عنه، والانتصار له.
وإنّهُ وكما أنّ أعداء الإسلام أشدُّ على هذه الثورة والدولة، كما هي شدّتهُم على الإسلام والمسلمين، فعلى الأمة المؤمنة الصادقة مع إسلامها أن تكون أشدَّ في حماية الإسلام والحفاظ على مكاسبه التي لا ينفصل عنها خط الثورة والدولة من كلِّما عليه الأعداء من شدّة، إذا كانوا أشدّاء جدّاً في مواجهة الإسلام، فكونوا أنتم على شدّةٍ أشدَّ من شدّتهم، وقوةٍ أقوى من قوّتهم، وغيرةٍ تكتسح غرورهم، وذلك في سبيل الله تبارك وتعالى.
أيُّها المؤمنون في كلّ مكان..
علينا أن نعلم أنّنا لن نستطيع حماية أنفسنا وإسلامنا وأرضنا وموقعنا وأن نتقدَّم به ما لم نملك القوّة الكافية، ولا طريق لذلك إلا بالإعداد والجهاد والصبر على مُتطلبات هذا الطريق.
وليس منّا مَن هو مَعفوٌّ في التخلّي عن واجبٍ كتبه الله علينا، ولا في التقاعد عن الإعداد لتحمُّل مسؤوليته وبناء القدرة التي تُمَكِّن منه، وقد وَهَبَ الله أبناء هذه الأمة المخلصين -كما هو غيرهم من أبناء العالم- بما يُمكِّنهم من بناء الذات بناءً قويّاً وتحصيل أسباب القوّة التي لابد منها في صناعة الواقع من جديد، والانتقال به إلى مواقع إيجابيةٍ متقدّمة.
تطوير الواقع سيكون شيئاً طَيِّعاً جدّاً لنا حين نكون الأعلم والأقوى والأشدَّ في سبيل الله.
على الأمّة المسلمة أن تطلب أسباب القوّة والعزّة والكرامة والحرية القويمة في كلّ مرتفعٍ وواد، وفي كلّ مكانٍ قريبٍ وبعيد، وأن تُرَبّي أجيالها الناشئة على فهم الإسلام وحُبِّه والذوبان فيه، والالتزام بتعاليمه والتضحية في سبيله، نصرةً من الأمة لدينها، ووفاءً لأجيالها، وطلباً لمرضاة الله عزَّ وجلّ.
فليكُن طلب المؤمنين للقوّة لا يقلُّ عن طلبهم للرزق الذي به يَحيَوْن، وليكُن كلّ ما لهم من قوةٍ بذلةً في سبيل قوّة الإسلام وعزّته ونصره.
كونوا أيُّها المؤمنون، أيُّها المسلمون حصوناً منيعةً للإسلام، وتحصَّنوا به، وهو خير ما تحصّنت به أمّة. ولا رِفعَة ولا ربح ولا إنسانية لأمّةٍ لا تتحصّنُ بالإسلام.
وإنّه لغباءٌ شديد، وتفريطٌ فاحش، وسوء تصرُّف، ومن خسارة الموازين للأمة؛ أن تنسى أهمية ما تحقَّق لها من فضل الله، من بركات هذه الثورة التي فجّرها الإمام الخميني -جزاه الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين- وعطاءات هذه الثورة الكريمة، وأهمية الدولة التي انبثقت عنها، والتي عَزَّ بها موقع الأمة جميعاً، وسلكت طريق نهضةٍ مهيبة لا تراجع عنها حتى يوم النصر العظيم الكبير المجيد، يوم ظهور القائم عليه السلام وقيام دولته العالمية المباركة المعطاءة، التي تَقَرُّ بها عيون المؤمنين، وتأمن بها الأرض، وتذهب الشرور والفساد، ويسلك الناس طريقهم إلى الله وإلى جنّة الخُلْد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.