التقى جمع من اعضاء مجلس الوزراء بمعية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء (آنذاك)، بمناسبة اسبوع الدولة في الرابع من شهريور 1363 هـ.ش (1984م) مع سماحة الامام الخميني (قدس سره) في جماران. اكّد الامام (قدس سره) خلال ذلك على اهمية مشاركة افراد الشعب في شؤون (ادارة الحكومة)، لافتاً الانظار، ومخاطباً مجلس الوزراء، بالقول:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
عرض تقرير عمل الحكومة على الناس
أنا بدوري أبارك لكم أيها السادة التوفيق في الحصول على ثقة المجلس وكذلك أسبوع الحكومة. يجب أن أعلن لكم أن حكومتنا لحسن نيتها الفائقة لا تتحدث عن أمورها. لقد قلت لكم مراراً منذ البداية أن عليكم أن تتحدثوا للشعب عن الأعمال والخدمات التي قدمتموها. عندما تقومون بعمل في محافظة سيستان لا يعلم به من في الطرف الآخر من البلاد. ولو أنجزتم عملًا في هذا الطرف لم يطلّع عليه أحد هناك. يجب أن تعلنوا دائماً عن الخدمات التي قمتم بها. أنا أعلم أنكم قدّمتم أعمالًا كثيرة وقيّمة، أذكروا هذه الاعمال للناس. لا تلبسوا لباس التقدّس كي لا يحصل- لا سمح الله- ما يحصل، لقد تجهّز العالم بحق وحقيقة ضدكم، ضدّ حكومتكم ضدّ الإسلام ويريدون أن يجدوا فيكم أية ثغرة ليشهّروا بكم ويقولوا كل ما يحلو لهم.
إنَّ من الأمور التي يمكن أن يقولوها: إنكم لم تعملوا من أجل الشعب شيئاً. كما رأيتم أن بعض الأشخاص قالوا: هذا. لأنَّ بعضهم سيّئوا النيّة. لكن يجب أن يعلم الشعب ماذا فعلت الدولة له. إنَّ الأصول المتبعة منذ القدم هي أن تعلن الحكومة للشعب منذ بدء تأسيسها عن أيّ إنجاز تقوم به، ليطّلع الشعب على ما تقدمه الحكومة وعلى الأعمال العظيمة التي قامت بها. والآن وقد تهيأت الفرصة وحلّ (أسبوع الحكومة) فاللازم متابعة هذا الأمر. وليتحدث للناس اثنان أو ثلاثة من السادة الوزراء عن الأمور التي تحققت في وزاراتهم والأعمال التي قاموا بها لابناء الشعب. الأعمال التي قامت بها الجمهورية الإسلامية خلال هذه السنوات رغم كل المشاكل والصعوبات التي تعانيها. كل هذا يجب أن يقال للناس ليعلموا ماذا حصل في هذه السنوات رغم المصاعب والمشكلات التي مرّت بها وماذا قدمت لهم. هذا أمر يجب أن يقال ونحن مقصّرون في هذا المجال ويجب علينا أن نتلافى هذا النقص.
إيكال الأمور إلى الشعب وإشراف الحكومة
الأمر الآخر هو أنكم تعلمون جيداً أن الشعب قد نهض وأسس هذه الحكومة وهذه الجمهورية لكن ليس كل الشعب، بل هؤلاء الحفاة وهؤلاء كسبة السوق وهؤلاء متوسطو الحال، وهؤلاء المحرومون هم الذين تحملوا الصعوبات وعلى عواتق هؤلاء المحرومين كانت ضغوط الثورة.
لو دقق شخص النظر في المظاهرات التي كان الناس ينظمونها في الشوارع، في عهد النظام السابق وبعد ذلك في أوائل الثورة. لوجد بين هؤلاء الناس أفراداً معدودين من المرفهين، أما الغالبية العظمى فهم من المحرومين. المحرومون هم الذين قاموا بهذا الأمر. فعلى هذا، فدولتكم دولة المحرومين، أي يجب أن تعملوا من أجل المحرومين. ومن الأمور التي أود تذكيركم بها هو أنكم تعلمون وقد ذكرتم أيضاً أن الحكومة لا تستطيع القيام بأي عمل ما لم يسندها الشعب. يعني أن الحكومات التي تنجز أعمالها دون الاستناد إلى الشعوب فهي لاتعمل للشعب، إنما يعملون لأسيادها، وقد جُهّزت على هذا الأساس. ولا شأن لها بما يجري الآن في بلوشستان ولابمايجري في كرمان أو في المناطق الأخرى. وأنتم تريدون أن تخدموا. الحكومة المحدودة الامكانيات لايمكنها العمل لشعب يزيد على أربعين مليوناً. يجب الاحتفاظ بالأربعين مليوناً في الساحة. فأنتم تريدون الاحتفاظ بالسوق والاحتفاظ بهم يتم بإشراكهم في الأعمال، لا تعزلوا السوق عنكم. يعني إنَّ الأعمال التي لا يستطيع السوق القيام بها وواضح بأنه غير قادرعليها، يجب على الحكومة أن تقوم بها. أما الأعمال التي يتمكن السوق من أدائها فلا تحولوا دونه يعني، أنه غير جائز. لا يجوز سلب الناس حرياتهم، بل يجب على الحكومة الاضطلاع بدور الاشراف. افسحوا للناس مجال استيراد البضائع من الخارج بالمقدار الذي يتمكّنون منه، ولتستورد الحكومة وكذلك الناس، لكن على الدولة الإشراف على الاستيراد كيلا يُستورَدَ شئ يضّر بمصلحة الجمهورية الإسلامية أو يخالف الشرع. هذا هو الإشراف.
ولا تطلقوا لهم العنان لتمتلئ الأسواق غداً بالبضائع الكمالية، ويعود الوضع إلى عهده السابق. أما فيما يتعلق بالتجارة والصناعة فإنكم إن لم يشارككم الناس فلن توفّقوا. إذ لا يمكن إهمال هذا الجمع الغفير وعدم إشراكه. فمثلًا لو أرادت الحكومة القيام بالزراعة فإنها لن تستطيع القيام بذلك. على الحكومة تأييد الزراعة ليتمكن المزارعون منها. وكذلك التجارة والصناعة، فالصناعات التي لا يتمكن الناس من القيام بها يتحتم على الحكومة القيام بها، والأعمال التي لا يمكن الشعب من أدائها يقع عبئها على عاتق الحكومة. أما الأعمال التي يتمكن كلُّ من الدولة والشعب القيام بها فعليكم إطلاق يد الشعب للقيام بها. ولكن عليكم الإشراف كي لا يحصل انحراف ولئلا يجلبوا أحياناً بضائع مخالفة للإسلام ومخالفة لمصالح الجمهورية الإسلامية. وهذا أمر مهم جداً في رأيي لقد أكّدت ذلك مراراً وقد وعدني السادة بذلك، لكني لا أدري كم من الوعد قد تحقق وأصبح عملياً. على أي حال فهذه من الأمور المهمة جداً ويجب التنبّه لها.
الحيلولة دون عدم رضا الناس في الدوائر
الأمر الآخر الذي أريد عرضه عليكم هو أن السادة الذين نالوا الآن ثقة البرلمان وأصبحوا يحسون بمسؤولية أكبر من ذي قبل، يجب أن يفكر السادة في كسب الناس كذلك، وأحد الطرق هو أن تكون الوزارات والدوائر بشكل بحيث لا يتذمّر الناس منها. ويبدو لو أن رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء يعيّن ممثلين أو ثلاثة من قبله في هذه الوزارة أو هذه الدائرة ليتابعوا شكاوي الناس فيها. فهذا أمر مفيد جداً إذ يحول دون وقوع أيّ تلاعب أو تصرّف غير لائق. إنكم تعلمون أننا قد ورثنا نظاماً كان منتسبوه يسعون إلى حفظ منافعهم الشخصية وأمثال هؤلاء ما يزالون موجودين في الجمهورية ولا يمكن إنكار ذلك، إنهم موجودون في كل مكان، ويمكن أن يعمل هؤلاء على إثارة حفائظ الناس، ويجعلونهم يتذمرون. إنَّ طريقة سلوكهم الأصلية هي جعل الناس غير راضين، فما أحسن من أن يكون الناس غير راضين عن الدوائر الرسمية. افترضوا أن شخصاً يراجع إحدى الدوائر فلا ينجز عمله، وهذا الموظف يحيله إلى ذاك وذاك إلى ذلك وهكذا يجعلونه يدور بينهم عبثاً حتى يضجر ويشمئز. أنا لا أقول أنَّ مثل هذا موجود فعلًا ولكن كونوا يقظين لتتفادوا وقوع مثل هذه الأمور. والأفضل أن تعيّنوا لكم ممثلين كي يعرف الناس أن هناك من يرجعون إليه عندما يحاول شخص متطفّل أو من أعداء الثورة أن يعرقل عملهم. وهذا الأمر بحدّ ذاته يحول دون وقوع مثل هذه الأمور. وعلى كل حال فنحن محتاجون إلى الناس، أي إن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى الناس في النهاية. فهذا الشعب هو الذي أوصل الجمهورية إلى ما وصلت إليه اليوم، وهو الذي يجب أن يسيّرها إلى الأبد. وتستطيعون أنتم أيها السادة بوزاراتكم ودوائركم أن تحفظوا ودّ هذا الشعب وتحرزوا رضاه. ويمكن أن يكون فيها أشخاص- والعياذ بالله- لا يرضون بعملكم هذا فقابلوهم بالحزم. أنتم غير ملزمين بإبقاء أي شخص من أعوان العهد البائد في عمله إذا كان يعمل ضد الثورة، أخرجوه من دائرته ليواجه عمله إن كان قاصداً الإخلال بالثورة. أمّا إذا كان عمله ناشئاً عن جهل أو غفلة اوشبه ذلك فأرشدوه وانصحوه أن لا يعود إلى مثل هذا العمل الذي لا يرضي الناس. علي أيّ حال يجب علينا متابعة هذا الأمر بأنَّ نحتفظ بالشعب إلي جانبنا وكما يقول الاخوة السادة إنه لا يمكن القيام بأيّ عمل دون دعم ومساندة أبناء الشعب. والدعم ليس بقول الناس (الله أكبر) بل أن يتعاونوا في المجالات كافة. بما فيها التجارة. فاذا فسحتم لهم المجال فإنهم سيتعاونون معكم.
فالسوق- مثلًا- ليس مليئاً بأشخاص فاسدين- لاسمح الله- في كل سوق توجد- بالطبع- مجموعة فاسدة ومجموعة مستغلّة، هذا أمر واضح. ولكن الصالحين والمتدينين والخبراء كثيرون في السوق. وليس عامة أهل السوق من المخلين بالعمل، بل هناك فئة قليلة؛ فأيّ مجتمع لا يضمّ مثل هؤلاء؟.
كل المجتمعات تحوي عدداً من هؤلاء. فعلينا إذاً أن نفسح للجميع المجال للعمل، كما فسحتم أنتم للمزارعين، أنتم تساندونهم وهم يزرعون. معنى المساندة هو أن يتمكن الناس أنفسهم من العمل وبهذا الشكل تكون رؤوس الأموال المدّخرة قد دخلت مجال العمل في السوق والبنوك، والناس انفسهم سيدعمون العمل من جهة، ويفهم الأشخاص الذين يظنّون أن الجمهورية الإسلامية لا تريد أن تعمل للناس شيئا أنها تعمل وأنها تدعم، وهكذا الذين يعيشون خارج البلاد ولا يعارضون الجمهورية الإسلامية ولكنهم خائفون عبثاً، لأنَّ الإعلام المضاد قد أخاف هؤلاء المساكين بأنهم بمجرد دخولهم من البلد يلقي الحرس عليهم القبض ويفعلون بهم ما يفعلون. حسناً، رغم اننا لا نقوي على وقف هذا الإعلام المضاد لنا في مختلف أرجاء العالم، يجب أن نفعل شيئاً لإفشاله بالإعلام كذلك، رغم ان إعلامنا محدود وإعلامهم غير محدود، الدنيا في أيدي أولئك وإعلامهم غير محدود. (صحيفة الامام، ج19، ص 36-38)