مما لاشك فيه، ان الانسان كفرد عام من افراد المجتمع، اي مجتمع كان، لايمكنه الوصول الى عالم الغيب او حتى الاقتراب منه، بصورة تؤهله لكسب مايرنو اليه من امور خفية، الاّ ان عدداً من الناس، بارتقائهم مراحل متقدمة من السلوك والعرفان، قد يصلون الى نوع من التنبؤ لأحداث او وقائع، تُلقي بظلالها على مجتمعات ما وتهزها وتمهدلها الطريق للتغيير سواء كان هذا التغيير ايجابياً او بالعكس.. هذا ما تفززه الاحداث التي يتعرض لها المجتمع، فهنالك عوامل شتى يرتكز عليها السالك او العارف، الواصل، تقوده الى ذلك، اهمها العامل المعنوي والاتكال على الله تعالى، لأداء الواجب المُلقى على عاتقه تجاه امته، اضافة الى عوامل مادية. هكذا يستطيع الكشف عن امور، قد تكون غامضة، خفية على غيره، ببصره النافذ وبصيرته المتوقدة.. وهذا ماشهدناه في شخصية الامام الخميني(قدس سره) وماعرفناه عنه.. رجل وضع قدميه على مسار الحق و الحقيقة والايمان، بسلوكه وعرفانه وبصيرته، فوصل الى مالم يصل اليه الاّ القليل، وقدم لأمته معالم واضحة، مما حولهم، تحيط بهم، ليكونوا على علم وحذر.. ويخطوا خطوات ثابتة على طريق الحق والحقيقة والصراط المستقيم. كان ذلك بالنسبة للامام الخميني(قدس سره) واجباً يحمله على عاتقه، وكان مايقوم به في اطار الواجب.. تنبأ بامور واحداث، واَطْلَع امته عليها، باتكاله على الله تعالى وبما عرفه من قدرة فائقة لدى شعبه، وبما شعربه سماحته من اداء الواجب خلال ذلك. هذه، نماذج مما تنبأ به الامام الخميني(قدس سره) وتَوقّعه:
- هزيمة الاتحاد السوفياتي السابق في افغانستان:
بالنسبة لمهاجمة افغانستان عسكرياً من قبل الاتحاد السوفياتي السابق، توقع الامام الخميني (قدس سره) هزيمة الجنود السوفيات، بما استلهمه من عوامل دينية مترسخة لديه. قال في هذا الصدد: "جاءني يوماً السفير السوفييتي وقال: إن أفغانستان طلبت منا المساعدة، ونريد أن ندخل أفغانستان. قلت له يمكن طبعاً احتلال أفغانستان، ولكن اعلموا أنكم لن تستطيعوا البقاء فيها. ما لم يريد الشعب شيئاً فلن يكون ذلك الشيء. وقد أدركوا الآن، بيد أن ارجلهم قد غطست، وستكون القضية كما قلتُ" (صحيفة الامام الخميني، ج12، ص253).
- انحسار الشيوعية ورُكُون الاتحاد السوفياتي السابق الى الغرب:
"في رسالة للامام الخميني (قدس سره) الى غورباتشوف، قبل تبدُد الاتحاد السوفياتي السابق، نهى فيها الامام الخميني (قدس سره) غورباتشوف عن الوقوع في شباك الغرب، و ان الشيوعية تتهشم عظامها. مما جاء في قسم من الرسالة المذكورة: "ان زعيم الصين كان قد وجّه الضربة الأولى للشيوعية وها أنتم توجهون لها الضربة الثانية، ويبدو أنها ليست الضربة القاضية. فاليوم لم يعد في العالم شيء اسمه (الشيوعية). ولكن اطلب منكم باصرار أن تحذروا الوقوع في سجن الغرب والشيطان الأكبر" (صحيفة الامام الخميني، ج21، ص203).
- التنبؤ بمهاجمة العراق لدول مثل الكويت:
كان الامام الخميني (قدس سره)، ينصح دول المنطقة وينهاهم عن مساعدة صدام، ومما قاله في كلمة له موجهة الى دول الخليج الفارسي، بعد ان ذكر مساعداتها اللامحدودة لصدام:
"أنه إذا ما انتصر صدام- لا سمح الله- فانه سيضرم النار في بلدانكم جميعاً. هذه هي التركيبة النفسية لصدام. إن القتل والإجرام متأصلان فيه. فلو سنحت له الفرصة في امتلاك القوة- لا سمح الله- فسوف يقضي على الحجاز، ويدمر سورية، ويقضي على الكويت والدول الخليجية كلها" (صحيفة الامام الخميني، ج17، ص77).
هذا غيض من فيض مما قام به الامام الخميني(قدس سره) في ذلك المجال. من الجدير بالذكر انه سماحته وبالاستناد الى مطالعاته التاريخية والانتفاع بالتجارب التاريخية، مما يتعلق بالحكام الطغاة، عند شعورهم بقرب نهايتهم، حيث يتحول سلوكهم وتتحول تصرفاتهم الى مايشبه الجنون، كقاعدة شاملة، ماتوقع به بالنسبة للشاه أخر سلطنته، وهل ان الشعب مع السلطة ام لا؟ فاذا ماكان الشعب مع الحكومة، فانها باقية، اما اذا كانت الحكومة تريد البقاء على رؤوس الحِراب، بقمع الشعب، فهي زائلة لامحالة، هكذا نظر الامام الخميني(قدس سره) الى الحكم والحكومة والشعب.