أنّ جميع الديانات والعقائد والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية تسعى الى نشر مفاهيمها وقيمها في الواقع، وتوسيع قاعدتها الشعبية، وايصال البشرية الى تبني المفاهيم والقيم التي تؤمن بصحتها، وتؤمن من خلال تحقيقها باحلال السلام والسعادة في الارض.
والاسلام – كواحد من هذه الديانات – يوجه اتباعه الى تحمل المسؤولية والارتفاع الى مستوى الامانة الالهية؛ لاقرار المنهج الالهي في الواقع، وتحقيقه في صورة عملية، تترجم فيها التصورات والنظريات الى مشاعر واخلاق واعمال وارتباطات، والسعي الى تهيئة العقول والقلوب للتلقي والاستجابة عن قناعة ورضى؛ لأنّ الاسلام ليس مجرى التفكير والتدبّر، وليس مجرد الخشوع، وليس مجرى التوجه الى الله؛ للنجاة من النار والفوز بالجنّة وإنّما هو العمل الايجابي الذي ينظم الاخلاق والعلاقات؛ لتُقام على التراحم والتكافل والعدل و السماحة والمودة والسلام.
ومن منطلق المسؤولية الاسلامية والتكليف الالهي انطلق الامام الخميني (قدس سره) لتبني مفهوم تصدير الثورة، وهذا المفهوم لايعني تصدير الثورة بالقوّة، بل هو تعبير عن نشر مفاهيم وقيم الاسلام الذي تتبنّاه الثورة عن طريق الاعلام والتبليغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
قال الامام الخميني(قدس سره): "الاسلام لاينحصر في بلد او في بعض البلدان، وليس الاسلام لطائفة واحدة، بل وليس للمسلمين فقط... الاسلام جاء للبشر كافّة. إنّ بعض خطابات الاسلام: ( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا) ، ولكن هناك خطابات كثيرة تقول: (يا أَيُّها النَّاسُ). يريد الاسلام ان يضع البشر تحت ظلّ عدالته... .
إذا عرفوا الاسلام وفهموا الحكومة الاسلامية وشعروا: أنّ الاسلام مفيد للجميع وإذا شعر البشر: أنّ الحكومة الاسلامية في صالح الجميع فنحن نأمل أن يميلوا كلهم الى الاسلام"[1].
وقال قدس سره: " ومن ضروريات الاسلام: انّ نبي الاسلام هو خاتم الانبياء، وقد بعث لكل البشرية في مشارق الارض ومغاربها، والقرآن الكريم يقول: إنّ الاسلام لكلّ الاقوام، فمن وصل اليه لابدّ أن يؤمن به. وأمّا الروايات الواردة عن الرسول الكريم (ص) فكلها تشير الى أنّ الاسلام للجميع"[2].
وعلى ضوء ذلك فإنّ مفهوم تصدير الثورة يعني تصدير مفاهيم وقيم الاسلام؛ استجابة للمسؤولية الشرعية في الدعوة الى الاسلام، وايصال مبادئه الى جميع البشر.
وتصدير الثورة ليس معناه ممارسة القوّة، وانّما ممارسة الارشاد والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فهو تصدير للثورة السياسية والثقافية.
قال الامام (قدس سره): إنّنا لانريد ان نشهر سيوفنا ونهجم على الآخرين، نحن التزامنا الدفاع عن النفس...، فالدفاع واجب. إنّنا نريد أن نصدّر ثورتنا السياسية والثقافية الى جميع الأقطار الاسلامية، ولو تمّ تصدير هذه الثورة المباركة فإنّها ستحل المشاكل في أية منطقة تصلها"[3].
ومن حديث للامام (قدس سره) في جمع من سفراء البلدان الاسلامية قال: "عندما نقول: لابد من تصدير ثورتنا يجب أن لا يتبادر الى الاذهان هذا المفهوم الخاطئ، وهو أنّنا نريد فتح البلدان...، إنّنا نعني بتصدير ثورتنا: أن تستيقظ الشعوب والبلدان، وإن تنقذ نفسها من المعاناة التي تعيش فيها، وتخرج من هيمنة الآخرين الذين ينهبون ذرواتها وذخائرها، في وقت تعيش هي الفقر والحرمان"[4].
ومن حديث له في اعضاء المجلس الأعلى للإعلام الاسلامي قال: " عندما نقول: نريد تصدير ثورتنا فإنّ هذا لايعني: أنّنا نريد تحقيق ذلك بالسيف، بل نتطلّع اليه عن طريق الاعلام والتبليغ. أنّنا نريد – من خلال الاعلام الصحيح – أن نحبط الهجوم الواسع الشرس الذي يشنّه الماركسيون وغيرهم ضدّ الاسلام، وأن نعرّف العالم بأنّ الاسلام دين جامع شامل"[5].
ومن حديث له مع رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى قال: "إنّنا عندما نتطلّع لأن يكون الاسلام في كل مكان ونسعى الى نشره لانقصد أن ذلك بالحراب والأسنّة؛ بل نريد نشر الاسلام عن طريق الدعوة... نريد أن نلفت أنظار العالم إلى النهج الذي يتعامل به الاسلام مع المحرومين والمظلومين، وسبل تخلصهم من معاناتهم"[6].
ومن اقواله (قدس سره) في تصدير الثورة:
- أنّنا لانكتفي بتحقيق الاستقلال لبلدنا وحده، بل سنحثّ شعوب العالم على تحقيق استقلالها.
- سنعمل على تصدير تجاربنا الى كل مكان في العالم.
- نحن نتطلّع لأن نرى الحكومة الاسلامية قائمة في جميع البلدان، وحكومة العدل الاسلامي مستقرة في كل مكان.
- انّ علماء الاسلام والباحثين والمفكرين الاسلاميين مدعوون لاعداد طروحات وبرامج بنّاءة، تأخذ بنظر الاعتبار مصالح المحرومين والمستضعفين، لتحلّ محلّ النظم الاقتصادية الوضعية السائدة في العالم الاسلامي، وتنقذ المستضعفين والمسلمين من الفقر والحرمان.
ولا شكّ: أنّ تطبيق احكام الاسلام – لا سيّما برامجه الاقتصادية ومواجهة الاقتصاد المريض الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشرقي – غير متيسّر دون سيادة الاسلام التامة[7].
وفي لقاء له (قدس سره) مع وزير الخارجية وجمع من العاملين في وزارة الخارجية قال: " لقد قلنا منذ البداية: إنّنا نتطلّع الى تصدير ثورتنا، ولا نعني بتصدير الثورة تحشيد الجيوش، بل نريد أن نوصل صوتنا إلى أسماع العالم"[8].
وعلى ضوء ما تقدّم يكون معني تصدير الثورة هو نشر المفاهيم والقيم الاسلامية، واقرارها في الواقع الاجتماعي و السياسي في البلدان التي تتطلّع شعوبها الى السلام والعدالة والسعادة.
وفيما يلى نستعرض جملة من اقوال الامام الخميني (قدس سره) التي يتطرّق فيها الى معنى تصدير الثورة:
- سنعمل على نشر ديننا في كلّ البلدان الاسلامية، بل في كل مكان يتواجد فيه المستضعفون.
- إنّ الهدف هو احياء احكام الاسلام العالمية، وتطبيقها، والسعي لأن يكون الجميع في رفاه، ينعمون بالحرية والاستقلال.
- إنّنا نتطلّع إلى تطبيق الاسلام في كل نقطة من العالم، وجعل راية الاسلام خفّاقة في كل مكان.
- إنّني أمل أن نتمكّن... من تطبيق العدالة التي وجدت بين بني الانسان ببركة الاسلام واوليائه، في ايران اوّلاً، ومن ثمّ في مختلف انحاء العالم.
المصدر: اُسس العلاقات وحقوق غير المسلمين في منهج الامام الخميني (قدس سره)، ص85، سعيد كاظم العذاري، الطبعة الاولى، موسسة العروج ، طهران 1430هـ.ق .
[1] توجيهات الامام الخميني الى المسليمن :168.
[2] توجيهات الامام الخميني الى المسليمن :178.
[3] الامام القائد في مواجهة الصهيونية :53.
[4] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني :77.
[5] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني :77.
[6] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني :78.
[7] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني :28 ومابعدها.
[8] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني :80.