عيد الفطر الشريف الذي هو عيد في ضيافة الله، وعيد الاضحى المبارك الذي هو عيد لقاء الله. ويعد عيد ضيافة الله مقدمة للقاء الله.(صحيفة الامام، ج18،ص 105)
إنَّ قضية التضحية بالولد تمثل إحدى الأبواب التي ترتبط برؤية النوع البشري، وهي قضية مهمة لكن الشئ الذي يكون مبدأ هذا العمل هو الذي يحقق المقابلة بين الأب والابن. هذه هي أمور قلبية وروحية ومعنوية وهي فوق الأمور التي نفهمها نحن. إننا نقول: إنه آثرَ وضحّي وقد حصل هذا حقّاً وهو أمر مهم ولكن هل كان هذا في نظر إبراهيم (ع) إيثاراً؟ وهل كان يرى أنه يقدم شيئاً عظيماً إلى الله؟
هل كان إسماعيل (سلام الله عليه)، يري أنه يقدم نفسه فداءً لله؟ أم أن الأمر ليس كذلك. فما دامت الإنسانية موجودة والإنسان نفسه موجوداً فالإيثار موجود باسمه. أنا أضحّي بابني في سبيل الله، أضحّي بنفسي في سبيل الله. هذا هو المهم بالنسبة لنا ومهم جدّاً، أما بالنسبة لإبراهيم (ع) فليس هذا بالأمر المهم ولايعتبره إيثاراً. إبراهيم لم يجد نفسه شيئاً ليعتبر عمله تضحية. إسماعيل لم يعتبر نفسه شيئاً ليرى عمله إيثاراً وتضحية. الإيثار معناه أني موجود وأنت موجود وعملي من أجلك ومن أجل الإيثار. هذا في نظر العظماء وأهل المعرفة وأولياء الله شرك، وفي نظرنا نحن- في الوقت نفسه- كمال كبير وإيثار عظيم. (صحيفة الامام، ج19ص 46)
فعيد الاضحى المبارك وما اراده الجميع ان اذن في الناس ليأتوا اليك يا ابراهيم، وليأتوا الى رسول الله عند ما كان الرسول موجودا، ويتوجهوا الى ولي الله عند ما يكون حاضرا، فهم يأتون اليه، والتوجه نحوه هو نفس التوجه صوب الله، لا أن يفسر الذهاب اليه بعنوان عكس التوجه الى الله، بل ان الذهاب صوب ولي الله او رسول الله هو عين الذهاب الى الله. من هنا جاءت الدعوة الى الناس ليذهبوا نحو الله، مصحوبة بتوضيح بأن الطريق نحو الله هو هذا الطريق، عبر ولي الله. فالعيد لابراهيم عليه السلام ولذبيح الله (اسماعيل) الذي هو ثمرة وجوده، يتمثل في استعداده للتضحية بنفسه امتثالا لامرربه، وكذلك الامر لرسول الله، لذبيح الله في هذه الامة، حيث فسرت كلمة ذبيح الله بكلمة (فدية) ايضا، واطلقت في بعض الروايات على سيد الشهداء (الحسين). فقد ذهب ابراهيم عليه السلام الى حد التضحية بابنه، الا ان الله سبحانه وتعالى ارسل له فدية (للتضحية بها بدلا من ابنه)، كما ان النبي الاكرم صلى الله عليه وآله بلغ ذلك الحد وحققه على ارض الواقع حيث حصل الذبح فعلا (للامام الحسين). وهناك نماذج وامثلة لهذه الامور متداولة بين الناس، لكن مع تفاوت كبير له صلة بدرجات المعرفة ومراحلها.
تضحية الشباب والقوى العظمى
انتم تشاهدون في العصر الحاضر، عددا من الشباب يضحون بانفسهم، ويتوجهون نحو الشهادة. وترون عددا من الناس ممن يبعثون فلذات اكبادهم نحو الشهادة وهم مستبشرون وغير مكتئبين لذلك. وهذا الامر مماثل لماسبق، لكن الفرق يكمن في ان التضحية كانت عن علم ويقين بدرجة عالية في حين ان التضحية الحديثة لم تبلغ تلك الدرجةالرفيعة، وما نشهده اليوم هو نموذج لذلك. فتضحيات شبابنا الاعزاء وتضحيات آبائهم وامهاتهم هي من نفس النمط لتضحيات السلف. فشبابنا يذبحون بنفس الطريقة التي ذبح بها اسماعيل، وبنفس الطريقة التي نحرت بها الضحية المرسلة لتذبح بدلا من اسماعيل حسب ما جاءت به الروايات. ولابد لنا من القول اننا عاجزون عن تصور مدى التضحية التي يقدم عليها هؤلاء الشباب. ونحمد الله لما اوجدته هذه التضحيات من عزة ورفعة للاسلام، التي ستبقى خالدة على مرّ التاريخ، حيث ان العزة والرفعة التي اوجدها هؤلاء لوطنهم مسجلة في صفحات مشرقة. ونتمنى ان تكون هذه الرفعة من نصيب الشعوب كافة، وان ينعم جميع مستضعفي العالم وكل الامم والشعوب بنعمة الثورة التي حصلت هنا.
وفي مقابل هذا الايثار وهذه التضحيات من اجل الاسلام، هناك في الجانب الآخر من العالم جرائم فظيعة ترتكبها الدول الكبرى بحق البشرية جمعاء. فالعالم مبتلى اليوم بصراع القطبين، والبشرية باسرها مبتلية بتنافس هذين القطبين، وادعو الله سبحانه وتعالى ان ينقذ البشر من هذين القطبين الفاسدين . فانهما يتدخلان في كل مكان يقدران على التدخل فيه، وفي اي مكان تتوفر فيه الذريعة حسب الظاهر لاجبار الآخرين على التدخل والافساد. وانكم تشاهدون ما فعل صدام طوال هذه السنين وما جنى بحق هذا الشعب، وما ارتكب بحق الاسلام، وما فعل بحق الشعب العراقي. كما تشاهدون كيف تصوره وسائل الاعلام بأنه محب للإسلام. (صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج18، ص: 107)