بقلم: عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء العراقي)
لقد استحدثت الثورة الإسلامية التي قادها الامام الراحل الخميني وعيا جديداً بالإسلام بعد قرن من التجاهل لدوره السياسي، ومنذ انتصار الثورة والكلام مستمر حول إنشاء نظام دولي جديد، وتحاول القوى الاستعمارية استباق الأحداث وتطويق طريق الصحوة الإسلامية، ولكن لاتراجع للإسلام عن احتلال موقعه المتقدم وتغيير موازين القوى العالمية.
الإسلام رسالة عالمية ورؤية كونية، فإذا عطل عن دوره العالمي فمعنى ذلك ليس فقط انحرافا فيه عن الخط القويم، بل معنى ذلك أيضاً أن العالم يعيش حالة من اللاتوازن، فاسحة المجال لقيام علاقات وتوازنات دولية أسّسها الرعب والخوف والطلم والعدوان والهيمنة.
وبتغييب الإسلام من الخارطة السياسية متمثلاً بسقوط الخلافة، وانهيار أخريات الدول الإسلامية العثمانية والصفوية والمغولية، التي بغض النظر عن أساليبها... بقيت شوكة تمنع تكامل النظام الاستعماري الصاعد.
فتآمروا عليها منطمين رؤيتهم للقيام بذلك بما اصطلحوا عليه بـ "المسألة الشرقية" و"الرجل المريض". يقول الإمام الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية": "جزأ الاستعمار وطننا، وحوّل المسلمين الى الشعوب. وعند ظهور الدولة العثمانية كدولة موحدة سعي المستعمرون الى تفتيتها.
لقد تحالف الروس والانكليز وحلفاؤهم وحاربوا العثمانيين ثم تقاسموا الغنائم كما تعلمون. ونحن لاننكر أن أكثر حكام الدولة العثمانية كانت تنقصهم الكفاءة والجدارة والإلهية، وبعضهم كان مليئا بالفساد، وكثير منهم كانوا يحكمون الناس حكماً ملكياً مطلقاً. ومع ذلك كان المستعمرون يخشون أن يتسلم بعض ذوي الصلاح والأهلية من الناس وبمعونة الناس منصة قيادة الدولة العثمانية على وحدتها وقدرتها وقوتها وثوراتها، فيبدد كل آمال الاستعماريين وأحلامهم".
إن تغييب الإسلام، أوعلى الأقل تعبيراته السياسية، كان شرطاً أولاً وأساسياً لنجاح المشروع الاستعماري والامبريالي وسيادته عالمياً، إذ أصبح واضحاً الآن أن الحروب التي شنت باسم الحروب الصليبية، والتي بقي المسلمون على مبدأيتهم بتسميتها بحروب الفرنجة، كانت بدايات الخروج الاستعماري محققا انتصاره الكامل في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فالنظام الدولي في جوهره هو النظام الاستعماري الذي هو المنظم الحقيقي لأعمال السلم والحرب، التحالف والعدوان، التبادل والمقاطعة، ولكن الأعراف الدبلوماسية وعلاقات الدول وقوانين النقد والتجارة وانتقال العلوم والخبرات والتنظيمات والقيم. فالقوانين الدولية وهرم الهيمنة الذي تعكسه، وطريقة أداء النظام الدولي ما هو في جوهر عمله وغاياته سوى التتويج الطبيعي للنظام الدولي الاستعماري الذي أسسته الدول الغربية.
فغياب الإسلام عن المسرح الدولي شرط لنجاح المشروع الاستعماري، وعودته اليه مؤذناً بنفيه وتعطيله. فالإسلام، شاء المعاندون أن أبوا هوميزان الحق في الدنيا.. إنه دين الفطرة والنزعة العقلية الحقة. فهو يرفض العدوان أو قبول العدوان.. يرفض الظلم أو قبول الظلم انطلاقاً من مبادئه وقيمه، لا انطلاقاً من حسابات وضعية وقياسات مرحلية. فهو العقيدة الوحيدة التي لم تجعل لنفسها صنماً تعبده.
المرجع: الوفاق، السنة الثانية عشرة- العدد 3278، الاربعاء 8 صفر 1430- 4/2/2009.