نشر موقع KHAMENEI.IR النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 30/10/2022 مع القائمين على «مؤتمر شهداء قم». وفي كلمته يلفت سماحته إلى أهميّة الاهتمام بخاصيّتي الذّكر والرسالة خلال المؤتمر وبعده وقبله، كما يشدّد سماحته على العمل من أجل أن تُسمع رسالة الشهداء. ويتحدّث قائد الثورة الإسلاميّة عن كون كلمة شهيد عنواناً ينطوي على مجموعة من القيم الدينيّة والوطنيّة والإنسانيّة، وكون الشهادة عاملاً من عوامل الألفة.
بسم الله الرحمن الرحيم،[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
في البداية، أرحب بكافّة الإخوة والأخوات الأعزاء الذين قدِموا من قم، وأشكركم على أنكم بذلتم الهمم وأقمتم مرّة جديدة هذه الذكرى، اللازمة والمهمة، للشهداء. أود أن أتحدث بكلمة حول الأعمال التي ذكرها إخوتنا، ثم سأدخل في بحثنا.
هذه الخطوات والأعمال كلها التي قلتم إنها أُنجزت هي أعمال جيدةٌ، لكن التفتوا إلى أن العمل الذي نفعله خلال المؤتمر وقبله وبعده له خصائص كثيرة. ثمة خاصيتان هما الأهم: واحدة هي «الذِّكْر» والأخرى هي «الرسالة». يجب أن تبقى ذكرى الشهداء حيّة وأن تُسمع رسالة الشهداء. إذا كانت هذه الإجراءات التي نؤديها خالية من هذين الأمرين، فلا فائدة منها. افترضوا الآن على سبيل المثال [صناعة] تمثال لشهيد أو صورة على لوحة من السجّاد وما شابه... نعم، هي «ذِكر» بحدود معينة - حدود العائلة مثلاً أو أكثر -وهي أمرٌ جيد، ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكن أن تحمل رسالة، إذْ يمكن للأعمال الفنية والشعر والأفلام الوثائقية والروائية والكتب أو الجلسات أن تحمل رسالة. نحن بحاجة إلى هذا [النوع]. نحن نحتاج إلى رسالة الشهداء. ينبغي ألّا نفكر كما يلي: حسناً هذا واضح، الكل يعرفون رسالة الشهداء ويعلمون بها. كلا! لا يعلم الجميع ذلك. يجب إطْلاع الأجيال الجديدة التي تأتي، جيلاً تلو آخر، على ذاك التاريخ والدوافع والأفكار وما إلى ذلك. إن الأعمال التي تحتوي على رسالة [الشهداء] تتمتع بهذه الخاصية العظيمة. التفتوا إلى هذه [النقطة] في الأعمال كافة التي تقدمونها.
أما بعد أن أشكركم مجدّداً على بدئكم هذا العمل وإنجازه - وسوف تنجزونه على أكمل وجه إن شاء الله - فسأتحدث عن موضوعين بفقرتين قصيرتين. أحدهما عن قم والآخر عن قضية الشهادة والشهيد.
قم هي مدينة «القيام» والإقامة أيضاً. إنها مدينة انتفضت من تلقاء نفسها، ومدينة حثّت إيران على الانتفاض. هذه خاصية قم. طبعاً لا ينبغي أن نغفل عن تأثير بركات السيدة فاطمة المعصومة – سلام الله عليها - ووجود الحوزة العلمية المباركة لهذه المدينة في هذه الخصائص. إلى جانبها كلها هناك أهالي قم، وقد رأيناهم من كثب، ورأينا أعمالهم وأخلاقهم وخصائصهم. أهالي قم أناس طيبون إنصافاً، فلقد لبّوا نداء قم وانتفضوا وناضلوا قبل أي مكان آخر، وقدّموا الشهداء قبل أي مكان.
كثيرون من الشهداء الذين استشهدوا في أماكن غير قم هم في الواقع شهداء قم. الشهيد مطهري هو أيضاً شهيد قم، والشهيد بهشتي هو كذلك شهيد قم، والشهيد باهنر هو الآخَر شهيد قم، فهؤلاء الشهداء هم خرّيجو قم أيضاً، وربما يمكن القول بمعنى ما إن شهداء إيران كلهم هم شهداء قم. كانت قم هي التي فتحت هذا الطريق، وبدأت الحركة، وهي التي استجابت لنداء الإمام [الخميني] الجليل. مَن كان يُدرك ما يقوله الإمام في سنتَي 1341 و1342 (1962 و1963م) كان أهالي قم هم الذين دخلوا إلى الميدان. حتى حينما شعروا أنه حدث [للحركة] شيءٌ من النُكس في 1341 (1962م) حيث كانت بداية الحركة، قام أهالي قم وحضروا إلى درس الإمام - كنت هناك وأذكر ذلك – وحضرَ تجار قم البارزون وخلفهم جمع كبير في درس [الإمام]، وعندما أنهى الدرس، قام أحدهم - المرحوم الطباطبائي، إذا تذكرت اسمه بصورة صحيحة – وبدأ يلقي كلمة بمنتهى الحماسة مخاطباً الإمام ويطلب منه استكمال العمل! في الواقع هم طلبوا من الإمام، وهو أيضاً دخل إلى الميدان وأعطى في تلك الجلسة نفْسها إجابة شافية وكافية ووافية، وبالفعل بثّ روحاً جديدة في هذه النهضة والحركة. هكذا هم أهالي قم. كنا نرى كيف كان شباب قم في ذلك اليوم، وحتى الشباب الذين لم يكونوا منذ البداية في هذا الوادي، كيف كانوا يظهرون ميلاً وتعاطفاً بعد بدء النهضة العلمائية. هؤلاء هم أهالي قم. ثم حدثت الثورة وأحداث ما بعد الثورة و«الدفاع المقدس» والقضايا اللاحقة حتى اليوم وهذه الاختبارات على نحو مستمر ومتتابع لشعبنا ولنا جميعاً حتى اليوم، وقد أبلى القميّون بلاء حسناً في هذه الاختبارات، حسناً جداً.
بالطبع هناك بعض النقاط البارزة التي لديّ إصرار على بذل مزيد من العمل بشأنها، [أي] خاصيتي «الذِّكْر» و«الرسالة». من هذه النقاط البارزة الشهيد مهدي زين الدين نفسه. هذا في حد ذاته نقطة بارزة. [هذا] الشهيد، الشاب الفتيّ الذي يبلغ عشرين سنة ونيفاً، يُظهر تلك المهارة في قيادة وحدة قتالية، وتلك الشجاعة وذاك التدبير والبناء وتلك التضحية في ميدان الحرب ثم ميدان الأخلاق والتديّن والاعتبارات الدينية والإسلامية [بالطريقة نفسها]. إنها أمورٌ استثنائيّة حقّاً. لا بدّ من قول هذه الأمور للناس والتعبير عنها.
لا يمكن قول ذلك بأي لغة غير الفن؛ لغة الفن هي فقط التي يمكنها التعبير عن هذه التفاصيل في حياة هؤلاء. إذن، يمكنكم العمل عليها بالكتابة الفنية أو الشعر أو الفيلم الروائي أو الوثائقي وما شابه. مثلاً هذه أحدها: ثمة هنا قائد شاب في الجيش [اسمه] الشهيد أمير أحمدلو، عسكريٌ قميٌ يقدّمون إليه الماء في آخر لحظة من حياته، أو أحدهم فكّر في تقديم الماء إليه كي لا يفارق الحياة عطِشاً، ثم لا يشرب هذا العسكري الشاب الماء، بل يشير إلى الجندي الذي بجانبه... أي تلك الحادثة نفسها في صدر الإسلام[2] التي نذكرها دوماً على المنابر والناس سمعوها دون أن يكون لدينا تصوّر دقيق عنها. لقد حدثت بالفعل. أظهر ضابط في الجيش هذه الحقيقة لنا. هل هذا شيءٌ قليل؟ هل هو أمرٌ هيّن؟ هل يمكن التعبير عنه بلغة غير الفن؟ اسعوا خلف هذا النوع من الأعمال... أو شهداء فرقة الإنشاد التي تُعد من الأحداث النادرة في «الدفاع المقدس»،[3] مجموعة من الفتية بأعمار 12 و13 و14 مثلاً يُنشدون ثم تأتي طائرة وتستهدف هذه المجموعة وتقصفهم فيستشهدون جميعاً... جميعهم أو ما يقارب جميعهم. أين نشيدهم؟ ماذا أنشدوا؟ ماذا قالوا؟ ماذا فعلوا؟ ماذا فعل آباؤهم وأمّهاتهم؟ هذه أمور تحتاج إلى التبيين وهي ذات رسالة. إنها من خصائص قم، وهذه هي النقاط البارزة لقم في مرحلة الدفاع المقدّس... أو النساء الشهيدات، فقد أشاروا الآن إلى مئات الشهيدات وبعضهن استشهدن في مجلس عزاء حسيني. كلها قضايا مهمة حقاً.
حسناً، هذا يتعلق بقم وخصائص تلك المرحلة الحافلة بالأحداث والمفاخر منذ المدة القريبة من الثورة حتى اليوم، [أي] خلال هذه السنوات الأربعين ونيف. كل حادثة من هذه الأحداث في تلك المرحلة هي نقطة تاريخية مضيئة. إنها نجمة. هذه الحادثة نفسها التي وقعت قبل أيام في شاهتشراغ (شاهچراغ)، إنّها نجمة. هذا أمرٌ لا يمكن أن يفنى. هذا سيبقى في التاريخ وسيكون مصدر فخر واعتزاز. نعم، لقد أفجعت هذه الأحداث بعض الناس، فبعضها مُحزنة وتغمر قلب الإنسان بالأسى، لكنها نجمة. كلها ستبقى في التاريخ وهي أحداث لن تُنسى. كم من هذه الأحداث مررنا بها في هذه السنين الأربعين! هذه علامة على أن هذا الشعب حيّ. حسناً، كان هذا بشأن بقم.
بشأن الشهادة: عنوان «الشهيد» عنوانٌ لا ينبغي المرور عليه بسهولة. تحتوي كلمة «شهيد» على مجموعة من القيم الدينية والوطنية والإنسانية. عندما تقولون «شهيد»، في الواقع هذه الكلمة كتاب [بحد ذاتها]، وهناك مجموعة من المعارف الدينية والوطنية في هذه الكلمة، وهناك مجموعة من المعارف والمكارم الأخلاقية في هذه الكلمة. إن هذه الكلمة كلمة مهمة جداً. حقيقة أنكم ترون وتسمعون أن بعض شهدائنا كانوا يتمنون الشهادة بعشق، فإن الله المتعالي قد زرع نوراً في قلوبهم، وبهذا النور، كانوا يرون حقيقةً ما. لذلك، عشقوا الشهادة. كان الشهيد سليماني يقول: أركض في الصحاري وراء الشهادة باحثاً عنها. هددوه: سنقتلك، فقال: أبحث عنها في الصحاري وأعبر المرتفعات والمنخفضات بحثاً عن ذلك، أتهددونني؟ لقد قرأ بعض الأشخاص هذا الكتاب[4]، وذلك ما جذبهم وما جعلهم عشّاقاً.
إذن، قلنا إنها مجموعة من المعارف الدينية والوطنية والأخلاقية. أما في القضايا الدينية، فإن أول ما يذكّر الشهيدُ به الإنسانَ هو الجهاد في سبيل الله، فالشهيد سار وجاهد ونال الشهادة في سبيل الله. الشهيد هو مَظهرُ الإيمان الصادق: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (الأحزاب، 23). إنه {قَضَى نَحْبَهُ} هذه، ومظهر الصدق والعمل الصالح. أيّ عمل أصلح من السير في طريق الله وتقديم كيانك ووجودك كله في هذا الطريق؟ الإيمان الصادق والعمل الصالح... إن البُعد الديني في هذه العبارات القصيرة هو عالَم من المعارف.
[بشأن] المعارف الوطنية: الشهيد والشهادة من الأمور التي تبرّز الهوية الوطنية وترفع درجتها. لقد عظُمَ الشعب الإيراني بسبب طلب الشهادة هذا في أعين مَن وصلت [هذه القضية] إلى مسامعهم. طبعاً ضجيج إعلام العدو وصخبه لا يسمح لأمور كثيرة في العالم أن تصل إلى مسامع الناس، لكن الذين وصل إلى أسماعهم لم يكونوا قلة أيضاً بل شعوب كثيرة. إنه بسبب الشهيد، وليس الحرب فقط، فهناك حروب في أماكن كثيرة، بل بسبب هذه التضحيات التي يبزغ منها الشهداء، وبسبب هذه العائلات، عائلات الشهداء، وهؤلاء الآباء والأمهات. إنه بسبب هذه الأمور. كلما تسربت أنباء هؤلاء، تَخلِق عظمةً لهذا الشعب. [لذا الشهيد] يجعل الهوية الوطنية لامعة ويبرّزها ويرفع درجتها.
بشأن المعارف والمكارم الأخلاقية للإنسان - بغض النظر عن الدين - في كلمة «شهيد» [لدينا مثلاً] التضحية. الشهادة مظهر التضحية. شخص ما يبذل حياته من أجل راحة الآخرين، وشهيد الأمن يضحي بحياته حتى يعيش الآخرون بأمان، وشهيد «الدفاع المقدس» يهب حياته حتى لا يتمكّن ذلك العدو الخبيث والظالم من الوفاء بالوعد الذي قطعه لنفسه - قال: سأصل إلى طهران وأذلّ الشعب الإيراني -... هذا شهيد طبعاً. أنا وأنتم جالسون في بيوتنا وهو يقاتل هناك حتى نتمكن من الجلوس مرتاحين ولا يصل العدو إلينا. هذه التضحية أخلاق [بارزة]. يولي الناس أهمية لهذا الأمر بغض النظر عن أي دين ومذهب ومعتقد ديني. [الشهادة] تستدعي الشجاعة. لذلك إن كلمة «شهيد» تجسّد هذه المعارف الأخلاقية كافة.
إذن، الشهادة تجارة مع الله من جهة، فذاك الصدق الموجود هو تجارة مع الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة، 111). وكما أذكر، نُقل عن أمير المؤمنين (ع) والإمام السجاد (ع): «إِنَّه لَيْسَ لأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا»[5]. إنّ لهذه النّفس قيمة كبيرة، وقيمة وجودكم عالية جدّاً. بيعوها بالجنّة فقط، لا بأيّ شيء أقل من الجنّة، فالله المتعالي هو مُشتريها. النفس ملك الله وهو مُشتريها؛ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}؛ لذا إنها صفقة مع الله من جهة، ومن جهة أخرى هي المؤمّن للمصالح الوطنية، أي تعزيز الهوية الذي تحدثنا عنه. الشهادة في سبيل الله تؤمّن المصالح الوطنية ومنافع الشعب.
يمكن للشهادة أن تؤدّي إلى الألفة. انظروا مثلاً إلى بلدنا، فبلدنا مجموعة من القوميات المتنوعة. لغات وقوميات متنوعة: لدينا فُرس، ولدينا أتراك، ولدينا عرب، ولدينا لُر، ولدينا البختياري... وما إلى ذلك. قوميات متنوعة! يربطها خيط مسبحة، وجزء من خيط المسبحة هذا هو الشهادة. أيّ مدينة تذهبون إليها ترون أن اسم شهيد أو شهداء عدة بارزة في هذه المدينة. افترضوا أنكم ذهبتم إلى شمالي هذه البلاد، أو جنوبيها أو شرقيها أو غربيها، ففي كل مدينة تذهبون إليها هناك أسماء شهداء بارزة. قد لا تعرف هذه المدن كثيراً عن بعضها بعضاً، لكن شهداءها استشهدوا في مكان واحد ولهدف واحد وفي خط واحد. على سبيل المثال شهيد من جنوبي البلاد وشهيد من شماليها أو شرقيها كانوا جميعاً في الخط نفسه واستشهدوا للهدف عينه، من أجل عزة الإسلام وعظمة الجمهورية الإسلامية وتقوية إيران. لقد استشهدوا من أجل هذه [الأهداف]، ومن أجل هدف واحد. هذا ما يربط هذه القوميات والمدن والمناطق ببعضها بعضاً. إنها خاصية الشهادة. بُعدها الديني ذاك هو الصفقة مع الله، وبعدها الوطني هذا يربط بين مختلف أجزاء البلاد، وبعدها الأخلاقي يذكّر بأخلاقيات هذه البلاد.
حسناً، الآن أريد تحديداً أن أقدم توصية استكمالاً للموضوع الذي تحدثت عنه في البداية. لا ينبغي أن تتوقف هذه الأمور. لقد قلت ذات مرة[6] إن الحرب كنز. إنها كذلك حقاً. إنني أقرأ كثيراً من الكتب عن الشهداء، وكل كتاب أقرؤه يبدو لي معه أن الإنسان يدرك شيئاً جديداً عن هؤلاء. لا أزال أقرأ الآن أيضاً. إنني أقرأ هذه الكتب منذ عشرات السنين، منذ الستينيات (الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي) حتى الآن. كل واحد من هذه الكتب الذي هو سيرة شهيد يفتح صفحة جديدة للإنسان ويظهرها سواء عن الشهيد نفسه أو عن هؤلاء الوالدِين، وهؤلاء الأمهات الشجاعة، وهؤلاء الآباء المضحين. هؤلاء الآباء والأمهات لديهم حق كبير في أعناقنا! بعض الآباء والأمهات لشهدائنا الأعزاء حاضرون في هذا اللقاء أيضاً.
يجب أن تُنقل هذه الأمور، وقلت إن مجمل نقلها، أي تسعين من المئة، يحتاج إلى لغة الفن. طبعاً لا نقول إنه يجب ألا يكتبوا التاريخ والكتب وما شابه. بالطبع، تجب كتابتها، لكن الشيء الذي لديه القابلية لنقل تفاصيل ودقائق الشهادة والشهيد كلها و«الدفاع المقدس» والتضحية وما إلى ذلك هو الفن. الآن على سبيل المثال، ذكّرتُ بفرقة الإنشاد هذه. حسناً اصنعوا فيلماً وثائقياً عن ذلك، وأنتجوا فيلماً وثائقياً عن هذه الفرقة الإنشادية، وحاكوا [الحادثة] كي يرى الناس بأعينهم. اعرضوا هذه الحادثة التي حدثت على الناس حتى يتمكنوا من رؤيتها. عندما أقول «الناس»، أقصد أننا القدماء رأينا هذه الأمور، لكن كثيرين منكم - أنتم الجالسين هنا أيضاً - لم يروها. شبابنا والجيل الجديد لم يروها. دعوهم يروا ويشاهدوا من كثب ما حدث. وليروا هذه التفاصيل في سيَر الشهداء هذه. توجد هذه المجالات كافة للعمل الفني وصناعة الأفلام الوثائقية، والأفلام الروائية، والمسلسلات، والشعر! الحمد لله؛ عندنا شعراء جيدون، ولديكم شعراء جيدون في قم أيضاً. فلينظموا الشعر والأشعار الجيدة حتى تبقى هذه الذكريات.
على أي حال عملكم هذا عمل قيّم. إنني أقدّره، وآمل - إن شاء الله - أن كل مَن تنبض قلوبهم من أجل الإسلام، وللثورة، ولهذا الشعب، ولهؤلاء الشباب، ومن أجل هذا الجيل المتجدد، ومن أجل أطفالنا، ومن أجل إيراننا العزيزة، آمل أن يعملوا بكل ما في وسعهم وبطاقتهم وقدراتهم كافة في هذه المجالات ويبذلوا سعيهم ليواصلوا مقولة الشهيد والشهادة بالذِّكر والرسالة، إن شاء الله.
نحيّي ذكرى الشهداء في مرقد أحمد بن موسى (ع)، ونقدم تعازينا العميقة إلى أسرهم وذويهم، كما نبارك لهم - لأن مقامهم عند الله المتعالي مقام رفيع جداً، إن شاء الله - ونسأل لكم التوفيقات من الله. ونسأله أن يجعل روح الإمام [الخميني] المطهرة مشمولة في رحمته ولطفه لأنه مَن فتح لنا هذا الطريق جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، تحدّث حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد سعيدي الكلبايكاني (متولي العتبة المقدسة للسيدة فاطمة المعصومة (ع) والرئيس لهيئة وضع سياسات المؤتمر)، وكذلك السيد محمد تقي شاهتشراغي (شاهچراغی) (محافظ قم ورئيس المؤتمر)، والعميد محمد رضا موحد أيضاً (قائد فرقة علي بن أبي طالب (ع) وأمين سر المؤتمر) بتقارير لهم.
[2] وقعت حادثة شبيهة لها في معركة مؤتة بين جيوش المسلمين والروم.
[3] استشهد تلاميذ في فرقة الإنشاد في مدرسة قطب راوندي المتوسطة بقصف جوي للعدو في 21/1/1987، بعد ساعة من إنشادهم في صالة سينما «تربيت» في قم.
[4] يقصد الشهادة.
[5]عن الإمام علي (ع) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج. 20، ص. 173.
[6] في كلمته خلال لقاء مع مسؤولي مكتب أدب وفن المقاومة، 16/7/1991.