قال قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، إنّ هذا اليوم الذي يتزامن مع ذكرى «13 آبان» حينما «سيطر طلاب نهج الإمام الخميني (قده) على وكر التجسس الأمريكي»، في إشارة إلى اقتحام مقر السفارة الأمريكية بطهران (4/11/1979)، هو «تعبير من الشعب الإيراني عن رفضه الاستكبار»، مضيفاً أنّ ما فعله أولئك الطلاب «خطوة رمزية ومناسبة في محاربة الاستكبار». وخلال خطاب متلفز بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم (ص) والإمام الصادق (ع)، رأى الإمام الخامنئي أن «النظام الأمريكي الاستكباري يشمل كل الصفات القبيحة مثل شنّ الحرب والإرهاب ورعاية الإرهاب والتدخّل والفساد والاحتكار»، ولذلك خطوة الطلاب هي «عين العقلانية، فالاستسلام أو الرضوخ للقوّة ليس من العقلانية».
وركّز سماحته على وصف «الحركة الطالبيّة الثورية في 13 آبان» بأنها «دفاعية وعقلانية تماماً»، قائلاً: «لم نبدأ أي تحرّك ضد الأمريكيين، لكن بعد انتصار الثورة هم الذين أصدروا قراراً في الكونغرس وأطلقوا الجماعات الإرهابية وخطّطوا ودعموا الانقلاب العسكري. الممارسات التجسّسية الواسعة في سفارتهم هي ما بدأ العداوة مع الشّعب الإيراني». وقال: «يعتقد البعض أنه إن استسلمت الحكومة لمطالب أمريكا وسياساتها، فإنها ستستفيد منها، لكن (الواقع أنّ) الحكومات التي رضخت أمام التعسّف الأمريكي تلقّت الصّفعة الأقوى وتزايدت معاناتها».
في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية (الجارية اليوم)، أوضح الإمام الخامنئي سياسةَ الجمهورية الإسلامية بشأن رحيل الرّؤساء في أمريكا وقدوم آخرين إلى سدّة الحكم، وذلك بالقول: «سياستنا محسوبة وواضحة ولا تتغيّر برحيل الأشخاص أو قدومهم. قد يحدث أمرٌ مع وصول شخص ما أو رحيله، لكن لا علاقة لنا بهذا، ولن يكون له أيّ تأثير في سياسة الجمهورية الإسلامية». لكنّ قائد الثورة الإسلامية وصفَ وضعِ النّظام الأمريكي بأنه «مدعاة للفرجة»، مستدلّاً بأن «الرئيس الذي يتولى المنصب حالياً (دونالد ترامب) والذي من المقرّر أنه يُجري الانتخابات يقول إن هذه الانتخابات الأكثر تزويراً في أمريكا، ومنافسه (جو بايدن) يقول إن ترامب ينوي ارتكاب تزوير واسع النطاق!».
الإمام الخامنئي أسهب في تشريح هذا الوضع واصفاً إياه بأنه «نموذج للوجه القبيح للديمقراطية الليبرالية»، وقال: «بصرف النظر عمّن سيصل إلى السلطة في أمريكا، يُظهر الوضع الحالي انحطاطاً مدنيّاً وسياسيّاً وأخلاقيّاً حادّاً في أمريكا، وهذه قضية يهتمّ بها أصحاب الفكر هناك بل يقرّون بها». كما وصف مثل هذا النظام السياسي بأنه «اضمحلال وانهدام»، مستدركاً: «إذا وصل أحدهم إلى السّلطة، سيحدث هذا الدمار عاجلاً، وإذا وصل آخر، قد يتأخر (الدمار) قليلاً، لكنّ المصير الحتمي هو الانهيار».
من جهة أخرى، أوضح سماحته أن السبب الرئيسي للعداء الأمريكي للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو أنها لم ترضخ للسياسات (الأميركية) الظالمة وأنها لا تعترف بهيمنتهم، مبيّناً أن «هذه العداوة ستستمرّ، والطّريقة الوحيدة لانتهائها هي أن ييأس الطرف الآخر من اعتقاده أنه قادر على توجيه ضربة قوية إلى الشّعب والحكومة في إيران».
في جزء آخر من كلمته، وفي إطار الإحياء للمولد النبوي الشريف، ذكر الإمام الخامنئي أنّ بعض آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن نبي الإسلام (ص) «تتلاءم بوضوح مع الوضع الحالي للبشرية»، قائلاً: «جاء في القرآن: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، و{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}؛ اليوم أيضاً والمجتمع البشري يعاني أكثر من أي وقت مضى، فإنّ روح الرّسول الأعظم الطّاهرة حزينة من هذه المعاناة الإنسانية، فهي مثل الأب الحنون، تسعى إلى هداية المجتمعات البشرية وسعادتها».
في الوقت نفسه، تحدّث سماحته عن «سوء استخدام المستكبرين للعلم والتكنولوجيا» في سبيل «أغراض مذمومة مثل الظّلم وشنّ الحروب والشرّ ونهب موارد الشعوب»، وقال: «كان فرعون يظلم داخل حدود مصر فقط، لكن فرعونِ العالم اليوم، يعني أمريكا، يستخدم التقدّم العلمي لغزو دول أخرى وشن الحروب وسلب الأمن والنّهب». وفي إشارة إلى العداء الشامل للاستكبار والصّهيونية ضد الإسلام، قال: «آخر مثال على هذه العداوة الخبيثة إهانةُ الوجه النّوراني للرّسول الأعظم (ص) بلغة الكاريكاتير، وتأييد رئيس فرنسا هذا العملَ القبيح الذي يشير مرّة أخرى إلى أيادٍ خفيّة وراء مثل هذه القضايا».
واستطرد الإمام الخامنئي: «يقولون إنّ إنساناً قد قُتل، حسناً، عبّروا عن أسفكم ومحبّتكم له، لكن لماذا تؤيدون بصراحة تلك الرّسوم الكاريكاتيرية الخبيثة؟ هذا الدّعم المرير والقبيح للحكومة الفرنسية وبعض الدول الأخرى يشير إلى أنّ هناك تنظيماً وتخطيطاً وراء هذه الأعمال المهينة، مثلما حدث في الماضي». كما وصف قائد الثورة الإسلامية «احتجاج الأمة الإسلامية وغضبها على إهانة الوجه النّوراني لنبي الإسلام (ص) بأنه علامة على حياة الأمة»، مضيفاً: «على عكس معظم الحكومات، لا يزال بعض رجال الدولة في العالم الإسلامي يظهرون ذلّتهم ولم يعترضوا على هذا العمل القبيح».
وعن تصرّفات الحكومة الفرنسية في ربط دعم هذا الكاريكاتير المهين بحريّة التعبير وحقوق الإنسان، قال سماحته: «إنها حكومةٌ تدّعي ذلك مع أنها أوت في بلدها الإرهابيّين الأكثر عنفاً ووحشية في العالم والملطّخة أيديهم بدماء آلاف الأشخاص وعشرات المسؤولين الإيرانيّين، كما قدمت أكبر دعم إلى الذئاب المتعطّشة للدّماء مثل صدام (حسين) خلال الحرب المفروضة، وفي أيام السّبت خلال الاحتجاجات يقمعون شعبهم وهم يطالبون في الوقت نفسه بالحرية وحقوق الإنسان!».
كذلك، وصف قائد الثورة الإسلامية «دفاع رئيسيْ الجمهورية والحكومة الفرنسية عن الوحشية الثقافية وأعمالها الإجرامية بدعوى أنه كاريكاتير»، و«دفاع تلك الدولة عن المنافقين (جماعة «خلق») وعن صدام كوجهين لعملة واحدة»، وأيضاً «الحادثة الأخيرة في السنوات الماضية بتوجيه الإهانة إلى القرآن ورسول الإسلام (ص) في أمريكا والدول الأوروبية»، بأنها كلّها «تعكس الطبيعة المظلمة والوحشية للحضارة الغربية». لكنه قال: «مثلما لم يستطع رجالات مكة والطائف في صدر الإسلام إخفاء الاسم المقدّس للرسول، لن تصل هذه الجهود المشؤومة اليوم إلى شيء، ولن تخدش شرف خاتم المرسلين وجلالته وعظمته».
وتابع الإمام الخامنئي حديثه بشرح أهمية «أسبوع الوحدة الإسلامية» والإشارة إلى الأحداث الدمويّة لبعض الدول الإسلامية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان، فقال: «عندما أعلن الإمام الخميني العظيم أن ذكرى مولد النبي الخاتم (ع) أسبوعٌ للوحدة، لم يفهم كثيرون عمق هذه الخطوة وأهميتها، لكن من الواضح اليوم كم هي ثمينة وحدة العالم الإسلامي، ولو تمّ تحقيقها، لكان من الممكن أن تمنع كثيراً من الصراعات والحروب الدموية في المنطقة».
في هذا الصّدد، انتقد سماحته بشدّة «الأفعال الخبيثة لبعض الدول في تطبيع العلاقات مع النّظام الصهيوني الغاصب»، مضيفاً: «هؤلاء الفاسدون يعبّرون عن رضاهم واعتزازهم بعملهم الذليل، لكن فليعرفوا أنهم أصغر من أن يُنهوا القضية الفلسطينية، ودون أدنى شك، سيزول الكيان الغاصب والقاتل والمجرم، وستكون فلسطين ملكاً للفلسطينيين». وأردف بالقول: «للأسف، في ذلك اليوم، لم تفهم أهمية مبادرة الإمام الجليل، أي وحدة المذاهب الإسلامية في الاتجاهات العامة، بصورة صحيحة، لكن العدو الذي أدرك خطر هذه السياسة في الحدّ من نفوذه صمّم ونفّذ خططاً عملياتية لمواجهتها».
بناء على ذلك، رأى الإمام الخامنئي أن «إنشاء مراكز لإنتاج أفكار مناهضة للتّقريب بين المذاهب، وإنشاء مجموعات تكفيرية كـ’داعش‘، والتّحريض على التنازع بين الأشخاص الغافلين»، كلّها «ضمن الخطط العملياتية للعدوّ من أجل إحباط الوحدة»، مضيفاً: «إثمُ بعض الحكومات في المنطقة وقادتها الذين قدّموا الدّعم المالي والسّلاح إلى الجماعات الإرهابية أكبر من الأفراد المتطرّفين والجاهلين الذين انضمّوا إلى هذه الجماعات... في هذه القضية الإثم الرئيسي ارتكبه الأمريكيون والسعوديون». أما «إثم أمريكا الآخر»، فهو أنها «اجتاحت دولاً إسلامية مثل أفغانستان وسوريا»، لكن «في العراق لن يسمح الشباب الغيورون للأمريكيين بالتغلغل... نتيجةُ الوجود الأمريكي في أيّ مكان في العالم ليست سوى خلق حالة من فقدان الأمن، والدمار والحرب الأهلية وإشغال الحكومات».
في السياق نفسه، خلُص الإمام الخامنئي إلى أن «اتّحاد المسلمين هو علاجٌ للأحداث المريرة للأمّة الإسلاميّة، كحرب السنوات الخمس في اليمن وقصف الناس هناك بقسوة على يد السعوديين»، أو مثل «تطاول بعض الحكومات الذليلة على الأمّة الإسلاميّة عبر تهميش القضية الفلسطينية». ولذلك، «ستُحلّ معاناة الحكومات والشعوب الإسلامية ومشكلاتها من كشمير إلى ليبيا ببركة اتحاد الأمة الإسلامية».
وبشأن الحرب الجارية بين أرمينيا وأذربيجان، قال سماحته إن هذه الحرب «مريرة وتهديد لأمن المنطقة»، مشدداً على أن «هذا الصّراع العسكري يجب أن ينتهي في أقرب وقت ممكن»، لكنّه قال: «يجب تحرير جميع أراضي جمهورية أذربيجان التي احتلتها أرمينيا وإعادتها إلى أذربيجان، كما يجب الحفاظ على أمن الأرمن في المنطقة التي سيطروا عليها». أيضاً شدّد قائد الثورة الإسلامية على «احترام الطرفين للحدود الدولية»، محذّراً في الوقت نفسه من أن «الإرهابيين الذين دخلوا المنطقة، وفقاً لتقارير موثوقة، يجب ألّا يقتربوا من الحدود الإيرانية إطلاقاً»، لأنه «إنِ اقتربوا من الحدود، فقطعاً سيكون التّعامل معهم حاسماً».