شخصيّة الإمام:
لقد بُذلت جهود في زمان حياة الإمام لتحريف شخصيته؛ فالعدوّ، من جهة، كان يحاول منذ انتصار الثورة وفي وسائل إعلامه العالمية أن يعرّف [يقدّم] الإمام على هيئة شخصيّة ثوريّة متصلّبة عنيفة، وكإنسان صلب متشدّد يقطّب حاجبيه باستمرار ولا ينظر إلا إلى مواجهة الأعداء، ولا يتحلّى بأيّة عاطفة ومرونة؛ هكذا كانوا يعرّفون الإمام وهذا كلام باطل. أجل، فلقد كان الإمام حاسمًا لا يتزلزل، وراسخًا في قراراته - كما سأشير إلى ذلك - الّا أنه كان مظهرًا للعاطفة واللطف والمحبة والمواساة والعشق لله ولخلق الله، لا سيما بالنسبة إلى الطبقات المظلومة والمستضعفة في المجتمع.
قراءة أصول الإمام ومبادئه:
الطريق الذي بإمكانه أن يحول دون هذا التحريف، هو إعادة قراءة أصول الإمام. فإنّ للإمام مبادئه وأصوله، وقد طُرحت هذه المبادئ في مختلف الكلمات والخطابات التي يمكن استقاء مبادئ الإمام من خلالها.
أصول مدرسة الإمام:
الأصل الأول: في مدرسة الإمام هو إثبات الإسلام المحمدي الأصيل ورفض الإسلام الأمريكي. فقد وضع الإمام الإسلام الأصيل في قبال الإسلام الأمريكي. فما هو الإسلام الأمريكي؟ إنه في عصرنا وفي عصر الإمام وفي جميع العصور لا يخرج عن اتجاهين: الأول الإسلام العلماني، والآخر الإسلام المتحجر. ومن هنا لطالما رأينا الإمام يُدخل الذين يحملون رؤية علمانية ويفصلون المجتمع والسلوك الاجتماعي للناس عن الدين الإسلامي في عداد الذين ينظرون إلى الدين بنظرة متحجرة رجعية يستعصي على المجدّدين فهمه، والنظرة المتعصبة لأسس خاطئة، ولطالما وضعهم الإمام إلى جانب بعضهم بعضًا. ولو أجلتم بأبصاركم لوجدتم أن كلا هذين التيارين موجود في العالم الإسلامي، وكلاهما مدعوم من قبل قوى الهيمنة في العالم ومن قبل أمريكا.
الأصل الثاني من مبادئ الإمام هو الاتكال على العون الإلهي: والثقة بصدق وعد الله، والنقطة التي تقابلها هي عدم الثقة بالقوى المستكبرة والمهيمنة في العالم؛ هذه هي أحد أركان مدرسة الإمام المتمثلة في الاتكال على قدرة الله. فقد وعد الله تعالى المؤمنين ولعن من لا يؤمن بهذا الوعد في قوله: ﴿وَلَعنَهُمُ اللَّه﴾، ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم﴾، وهم أولئك ﴿اَلظّآنّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوءِ عَلَيهِم دائِرَةُ السَّوءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ وَسآءَت مَصيرً﴾. إن من ركائز فكر الإمام الخميني العظيم، الإيمان بوعد الله والتصديق به حيث قال سبحانه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم﴾. والنقطة المقابلة لذلك [لسوء الظن بالله] هي عدم الاعتماد على إغراءات الأعداء والمستكبرين والقوى العالمية مطلقًا. ولقد أدى هذا الاتكال على قدرة الله والثقة به إلى أن يكون الإمام الخميني العظيم صريحًا واضحًا في اتخاذ المواقف الثورية، حيث كان الإمام يتحدث بصراحة، ويبيّن ما كان يعتقد به دونما غموض وإيهام، وذلك لاتكاله على الله.
المبدأ والأصل الثالث هو الإيمان بإرادة الناس وقوتهم ورفض المركزية الحكومية: وهذا يمثل أحد الخطوط الرئيسية لحركة الإمام. فقد كانت ثمة محاولات، في تلك الأيام، نابعة عن رؤية خاطئة لإيكال جميع الأنشطة الاقتصادية في البلد إلى الحكومة، ولطالما كان الإمام يحذّر من ذلك -وقد انعكست هذه التحذيرات في كلماته بشكل جليّ- فكان يوصي بإيكال الأمور إلى الناس. حيث كان يثق بالشعب في القضايا الاقتصادية والعسكرية.
الأصل الرابع: دفاع الإمام ونصرته ودعمه للمحرومين والمستضعفين: حيث كان يرفض التمييز والفروقات الاقتصادية رفضًا باتًا، ويواجه النزعة الأرستقراطية بمرارة، وكان مناصرًا حقيقيًا للعدالة الاجتماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
أمريكا؛ الشيطان الأكبر:
الأصل الخامس: حيث كان الإمام يقف بصراحة في الجبهة المناهضة للقوى الدولية المتغطرسة والمستكبرة دونما مراعاة ومجاملة. وحين يقف عتاة العالم والمستكبرين والقوى المتسلطة في مواجهة المظلومين، كان الإمام إلى جانب المظلومين، ويصرّح بذلك دون مواربة وتقية. وكان مدافعًا جادًا عن المظلومين، ومقاوماً لا يهون في عدائه للمستكبرين. إن مصطلح «الشيطان الأكبر» في وصف أمريكا كان إبداعاً مدهشًا من إبداعات الإمام.
ومن الأصول الأساسية الأخرى: لفكر الإمام ونهجه وخطه -وهو الموضوع الأخير الذي أتناوله- قضية الوحدة الوطنية والتنبّه للمؤامرات الهادفة للفتنة والتفرقة؛ سواء التفرقة الدينية أو الطائفية بين الشيعة والسنّة، أو التفرقة القومية بين الفرس والعرب والأتراك والأكراد واللور والبلوش وأمثالهم. فإنّ زرع الفتن وبث الفرقة هما من سياسات العدو الثابتة والمستمرة، وهذه نظرة تستوعب الأمة.