النبي (ص) و شخصيته لا تخفى على احد مهما كان، وعلى اىَّ مذهب و دين كان. وما كتب ويكتبُ الباحثون و الدارسون حول ذلك، قد لايكون، ابداً، على مستوى تلك الشخصية العظمية و الفريدة في التاريخ. ممايلى مقتطفات من كلام الامام الخميني (قدس سره)، في هذا المجال:
عصر الولادة
الولادات مختلفة، فولادة تكون مبدأ خير، مبدأ تحطيم للظلم ولاخماد معابد الأوثان والنار، مثل ولادة الرسول الاكرم (ص) حيث قيل إنه انطفأت نار معبد النار في فارس وتحطّمت شرفات إيوان كسرى!
ولكن حقيقة الامر كانت هناك قوتان في ذلك العصر، إحداهما القوة الجبارة الحاكمة والاخرى القوة الروحانية العابدة للنار. وكانت ولادة رسول الله (ص) مبدأ لتحطيم هاتين القوتين، إحداهما طاق كسرى حيث تحطمت شرفاته الظالمة، والاخرى نار معبد المجوس بفارس التي خمدت! ..
فولادة الرسول الاكرم (ص) كانت مبدأ انهيار اسس الظلم وخمود نيران العقيدة الوثنية وعبادة النار. وان انتشار مبدأي التوحيد والعدل في العالم كان على يد الرسول الاكرم (ص). لقد جاءت النبوة أساساً لتحطيم اسس قدرة الاقوياء الذين يظلمون الناس. كان مبعث النبي الاكرم (ص) لتحطيم شرفات وهدم اسس قصر الظلم الذي شُيد بمعاناة وجراح قلوب هؤلاء المساكين واستغلال الناس الضعفاء. ومن ناحية اخرى بما أنها كانت لنشر التوحيد، فقد هدّمت الأماكن التي كانت منطلقاً لعبادة غير الله ولعبادة النار وأخمدت النيران.
المنزلة الاجتماعيّة
انَّ تاريخ الإسلام واضح وكلكم تعرفونه فانتم من أهل القراءة والمطالعة وتعلمون بان نبي الاسلام كان من عامة الناس، كان من العامة وانه حينما بعث ودعا الناس عارضته قريش نفسها، فالقرشيون آنذاك كانوا سادة القوم وجبابرتهم واصحاب الثروة، ولم يتمكن (ص) من التعبير عن رأيه في مكه فلزم غار حراء مدة ولم يتمكن من الخروج، وكأنه مسجون هناك، بعد ذلك هاجر الى المدينة، وفي المدينة ايضا اجتمع حوله ابناء الطبقة الثالثة. وحينما اقام مسجده وهو مسجد بسيط كان عدد كبير من اصحابه ينامون في صفة ذلك المسجد وهي ناحية بسيطة خارج المسجد، كان العديد من اصحابه ينامون فيها لعدم امتلاكهم منازل خاصة.
كان النبي محمد (ص) من فقراء قريش ولم يكن من أولئك المستكبرين، وعمل راعياً ايضاً، فقد كانت عائلته فقيرة، حتى وصل الأمر بعمه أبو طالب إلى توزيع أطفاله وهذا مايدل على المستوى الاقتصادي لأسرة النبي محمد (ص).
لقد اختار الله أنبياءه (ع) من الفئات المستضعفة الفقيرة، ووضعهم في مواجهة الظالمين، [ لقد اختارهم من هذه الفئة المستضعفة، الفئة التي استضعفها المستكبرون و التي لم يعتبروها و لم يروها شيئاً في قبالهم].
العبادة
رَوَي الطبرسيُّ (رحمة الله عليه) في الاحتجاج عنْ مُوسى بن جَعفر (ع) عن آبائه (ع) قال: «قال أميرُ المُؤمِنين (ع): « وَلَقَدْ قَامَ رسول الله (ص) عشْر سِنين عَلَى أَطراف أصابعه حَتّى تَوَرَّمَت قَدَماه واصفَرَّ وجْهه، يّقوم الليل أجمع حتّى عوتب في ذلك، فقال الله عزَّ وَجَلَّ: {طه، مآ أَنزَلنَا عَلَيكَ القُرءَانَ لِتَشْقَى} بل لتسعد به.
إرادة الخير
وتكفي شدة الشفقة والرأفة في قلبه – صلوات الله وسلامه عليه- جميع العائلة البشرية، كما في الآية الشريفة في أول سورة الشعراء حيث يقول تعالى: { لَعَلَّكَ بَخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنينَ }، وقوله في أوائل سورة الكهف: { فَلَعَلّك بَخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَرِهِمْ إن لَّمْ يُؤمِنُوا بِهَذا الحَدِيثِ أسَفًا }.
سبحان الله ما أصعب الأمر على رسول الله (ص) ! من تأسُفه على حال الكفار و جاحدي الحق و شوقه إلى سعادة عباد الله. إنَّ الله تعالى يسليه ويحفظ قلبه اللطيف من التقطع من شدة الهم والحزن على أحوال هؤلاء الجُهال الأشقياء.
التواضع
لقد نُقل عن الإمام الصادق (ع) أنَّ رسول الله (ص) وسلم كان يحبّ أن يركب الحمار من دون سرج، وأن يتناول الطعام مع العبيد على الأرض، وكان يعطي الفقراء بكلتا يديه. كان ذلك الإنسان العظيم يركب الحمار مع غلامه أو غيره، ويجلس على الأرض مع العبيد. وفي سيرته أنَّه كان يشترك في أعمال المنزل،ويحتلب الأغنام،و يرقع ثيابه، ويخصف نعله بيده، ويطحن مع خادمه و يعجن، ويحمل متاعه بنفسه، و يجالس الفقراء و المساكين و يأكل معهم. هذه و أمثالها، نماذج من سيرة ذلك الإنسان العظيم و تواضعه، مع أنَّه فضلاًعن مقامه المعنوي كان في أكمل حالات الرئاسة الظاهرية.
لا فرق بين المظهرالخارجي للنبي (ص) و كافَّة الناس، ولهذا عندما كان يدخل عليه (ص) شخصٌ من خارج المدينة، و كان (ص) جالساً مع مجموعة من المسلمين، يسأل – الوافد - «أيُّكُم النبي» إنَّ الذي يفضّل النبي (ص) على غيره، هو روحه الكبيرة، القوية، اللطيفة لا جسمه المبارك و بدنه الشريف.
رسول الله عندما كانت المدينه مقر حكومته وكانت حكومة كبيرة آنذاك، عندما كان يأتيه العرب كانوا يشاهدون عدة أشخاص جالسين في حلقه فلم يكن بوسعهم أن يعرفوا من هو المسؤول والحاكم، ومن هم الناس العاديين.
حسن الخلق
نقل عن طرق العّامة أنَّ رسول الله (ص) عندما كان يغضب، كان يجلس إذا كان واقفاً، و يستلقي على قفاه إذا كان جالساً، وبذلك يسكن غضبه.
وورد في باب أخلاق رسول الله (ص) أنَّه (ص): « ما انتصر لنفسه من مظلمةٍ، فيكون غضبه حينئذٍ لله تبارك و تعالى».
لا بُدَّ من مراعاة الأخلاق والآداب مثلما كان يفعل الأنبياء و الأولياء و أئمتنا (ع) حيث كانوا يكرسون وقتهم لخدمة الناس ويتصرفون معهم بكلِّ ودِّ و رأفةٍ و خلقٍ إسلاميٍّ ربانيٍّ.