يقول مفجّر الثورة الإسلامية (قده) حول الدفاع عن البلاد الإسلامية:
«إن الدفاع عن البلاد الإسلامية والدفاع عن أعراض المسلمين من الواجبات الشرعية الإلهية التي تجب على الجميع». (صحيفة الإمام، ج 13، ص 182)
إنّ الدفاع أمرٌ طبيعي وفطري؛ ومصداق ذلك تجهيز المخلوقات بوسائل دفاعية فطرية أو غريزية أو شعورية، وأحياناً بالاعتماد على العقل للدفاع عن نفسها. لذلك، فإنّ كل مؤسسة أو نظام حيّ يحتاج إلى منظومة دفاعية مناسبة تضمن استمرار حياته وبقائه، ما دام اللجوء إلى الحرب لم يُمنع، وما دامت تُستخدم ذريعةً من قِبل بعض الدول للوصول إلى أهدافها العدوانية تحت شعار السلام أو الديمقراطية، في حين تقف المحافل الدولية موقف المتفرّج. ومن هذا المنطلق، يُعدّ الدفاع الوسيلة الوحيدة لمواجهة مثل هذه الاعتداءات.
وفي نظام جمهورية إيران الإسلامية، تُعدّ القوات المسلحة – اعتماداً على القدرة الإلهية غير المتناهية، وفي ظل الإيمان – ضرورةً عقلية واضحة لحفظ الدولة الإسلامية، والدفاع عن المسلمين والثورة الإسلامية ومنجزاتها. ويتم تنظيم وتجهيز القوات العسكرية بناءً على الإيمان بالله، والالتزام بالقيم والمبادئ العقائدية، والسعي لتحقيق أهداف الدستور الإسلامي.
ويقول الإمام الخميني (قده) بشأن الدفاع والردع اللذين يضمنان حفظ الكيان والحقوق الإنسانية:
«إنّ العقل يحكم بضرورة وجود التنظيمات اللازمة حتى إذا هجموا علينا تمكّنا من صدّهم، وإذا اعتدوا على أعراض المسلمين ندافع عنهم. والشرع المقدس يأمر بأن نكون دائماً مستعدين للدفاع في مواجهة أي معتدٍ يريد تجاوز حدوده عليكم». (ولاية الفقيه – الحكومة الإسلامية، ص 50)
وبناءً على ذلك، فإنّ القوات المسلحة في النظام الإسلامي، إلى جانب حماية وحدة الأراضي، تتحمّل مسؤولية حفظ الاستقلال والسيادة السياسية والكيان الإسلامي. وقد أكّد الإمام الخميني (قده) مراراً على ضرورة تقوية القوات المسلحة باعتبارها الركن الحيوي لحفظ استقلال البلاد وحرية الشعب. وفي الفكر الدفاعي للإمام الخميني (قده)، فإن الهدف الأسمى للقوات المسلحة هو حفظ الإسلام، والسعي لتحقيق هذا الهدف، ولا يتحقق ذلك إلّا عبر قوات مسلحة مؤمنة بالله، تمتلك روح الجهاد والاستشهاد، وببنية صلبة ومتماسكة.
إنّ الفكر الدفاعي للإمام الخميني (قده) خلال سنوات الدفاع المقدس الثمانية كان مظهراً لصمود الشعب الإيراني ومقاومته، وقد كسب مكانة رفيعة بين النظريات الدفاعية الحديثة. وكان الإمام الخميني (قده) من القلائل الذين امتلكوا فهماً صحيحاً وشاملاً لمذهب الإسلام والأنبياء، وكان مُطّلعاً على جميع أبعاد الدين. إنّ سيرته النظرية والعملية مستندة إلى القوانين الإلهية، وفكره الدفاعي متجذّر في الإسلام نفسه، ولو لم يكن الدفاع من أركان الإسلام لما أولاه هذا الاهتمام الكبير.
لقد كان الإمام الخميني (قده) ـ بصفته فقيهاً، فيلسوفاً، عارفاً، سياسياً، وعالماً عاملاً ـ يمتلك فكراً دفاعياً متكاملاً. إنّ استقطاب الجيش والحفاظ عليه، تأسيس الحرس الثوري، إنشاء قوات التعبئة (البسيج)، وتشجيع الإمام الخميني (قده) المتكرر على التدريب العسكري والاستعداد لحماية الثورة قبل ظهور أي مؤشر للحرب، كلها تُظهر عمق رؤيته الدفاعية في تلك المرحلة.
وفي فترة الحرب المفروضة، كان الفكر الدفاعي للإمام الخميني (قده) هو الذي يوجّه الحرب لصون الثورة وتحقيق أهدافها، وفي هذه المرحلة التاريخية المشرقة ظهرت القدرات الجديدة والمذهلة للمؤمنين بمبادئ الثورة وقيمها. ففي هذه الحرب، ورغم اتساع جبهات القتال وكثرة الأعداء وتعقّد الحرب يوماً بعد يوم من حيث التكنولوجيا العسكرية، استطاعت رؤية الإمام الخميني (قده) أن تدافع عن كياننا الإسلامي والوطني.
لقد تعرّضت إيران عبر تاريخها الممتدّ لمئتي عام لهجمات متكررة من قبل الأجانب، وخلال هذه الفترة، خصوصاً في زمن القاجار، اقتطع الأعداء أجزاءً من أراضي إيران في كلّ هجوم. ويمكن القول بثقة إنّ الحرب الوحيدة التي استطاعت فيها القوات المسلحة والشعب أن يدافعوا عن البلاد بجدارة، دون أن يسمحوا للعدو بالاستيلاء على شبر واحد من أرض الوطن، كانت الحرب المفروضة التي دامت ثماني سنوات. وقد تحقّق ذلك من خلال استراتيجية الدفاع الشامل.
كانت حرباً حشدت فيها القوى العظمى في الشرق والغرب كلّ إمكاناتها لدعم نظام البعث العراقي، لكن بفضل الله تعالى والدعم الغيبي، انتهت الحرب لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد سجّل التاريخ هذا الإنجاز العظيم.
لقد كان الشعب الإيراني طوال سنوات الدفاع المقدس يعتمد على الإيمان بالله والقيادة الحكيمة للإمام الخميني (قده)، ولذلك استطاع أن يصمد أمام كلّ أشكال العدوان. إنّ هذه التجربة أظهرت أنّ الاعتماد على القوة الذاتية، والتمسّك بالقيم الإسلامية، وتجنيد طاقات الشعب في إطار الدفاع الشامل، هي عناصر أساسية لحفظ البلاد وصون استقلالها.
وفيضوء هذه الحقائق، يتبيّن أنّ الفكر الدفاعي للإمام الخميني (قده) لم يكن مقتصراً على الجانب العسكري فحسب، بل كان يرتكز على أسس عقائدية وثقافية وروحية. فهو يرى أنّ الأمة التي تعتمد على الإيمان، والوعي، والاتحاد، والتوكل على الله، لا يمكن لأي قوة عالمية، مهما بلغت، أن تهزمها أو تفرض عليها إرادتها.
كما أكّد الإمام الخميني (قده) مراراً أنّ واجب القوات المسلحة لا يقتصر على حماية الحدود الجغرافية، بل يشمل أيضاً حماية الإسلام، والدفاع عن القيم الإلهية، والوقوف بوجه الظلم، والذود عن المستضعفين. ومن هذا المنطلق، فإنّ القوة العسكرية يجب أن تكون في خدمة الأهداف الإسلامية السامية، لا في خدمة السلطة أو المصالح الدنيوية.
إنّ رؤية الإمام الخميني (قده) في مجال الدفاع، بما تحمله من عمق فكري وروح جهادية، قد تركت أثراً عظيماً على بنية القوات المسلحة في إيران، وجعلتها قوة تعتمد على الإيمان، والعقيدة، والبسالة، لا على المعدات المادية فحسب. وقد أثبتت التجربة أنّ هذا النموذج من الدفاع يُعدّ من أكثر النماذج قدرةً على الصمود وتحقيق النصر.
لقد اعترف منظّرو العلوم العسكرية في العالم بأنّ الانتصارات التي حقّقها مقاتلو القوات المسلحة خلال هذه الحرب كانت أشبه بالمعجزة، إذ لم تكن قابلة للتفسير ضمن القواعد الكلاسيكية للحرب ولا في الدروس التكتيكية للأكاديميات العسكرية لديهم. ولم يتحقّق هذا الأمر إلا في ظلّ عناية الله تعالى وحضرة وليّ العصر (عج)، وبفضل تدبير الإمام الخميني (قده) ورؤيته الدفاعية العظيمة.
إنّ آراء الإمام الخميني (قده) الدفاعية تتمتّع بأهمية ومكانة فائقة، لأنّ تجربته في إدارة حرب حديثة وواسعة النطاق طيلة ثماني سنوات من الدفاع المقدس، واهتمامه بتوضيح استراتيجية الدفاع الشامل، تُعدّ من الأدلة القاطعة على عمق هذا الفكر.
واليوم، وبعد مرور ٤٧ عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، وإدارة نظام الجمهورية الإسلامية لنضال شامل امتدّ لثماني سنوات، ومواجهة الاستكبار العالمي وتآمراته الشاملة من قبيل الانقلاب، الاغتيال، التخريب، الحرب، الحصار الاقتصادي وغيرها، وهذه كلّ واحدة منها كانت كفيلة بإسقاط أي نظام — ومع ذلك صمدت الجمهورية الإسلامية — فإنّ توجيهات الإمام الخمینی (قده) وما قدّمه من رؤى دفاعية ما تزال بحاجة إلى تبيين ودراسة أعمق. كما أنّ إرشادات قائد الثورة الإسلامية (دام ظلّه) جاءت امتداداً لذلك النهج.
-----------
القسم العربي، الشؤون الدولیة.