الشاهد، المبشر، النذیر (القسم الثاني)

ID: 84113 | Date: 2025/09/10


فالخلق ، اذن ، محور شخصية الإنسان ، لا سيما ، الإنسان المرسل ، المبعوث من الله تعالى كنبينا محمد المصطفى (ص) ، و قد وصفه الخالق جل جلاله بما يليق به من (خلق عظيم ) . فهو (ص) نموذج للانسان الكامل الذي اوكلت اليه ، مهمة قيادة البشرية و انقاذها من مستنقع الظلم و العبودية ، الذي اوقعها فيه مستكبرو العالم ، المتمثل حاليا بالامبريالية الأمريكية و كلبها المسعور ، الكيان الصهيوني الغاصب . قال عز من قائل : " ... لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ... " (١٥) . فالمتتبع للتاريخ الاسلامي ، خاصة فترة صدر الإسلام ، يلاحظ ان الحكمة الالهية ، اقتضت ان يكون المبعوث الجديد ، من بين أهل شبه الجزيرة العربية ، يعرفهم و يعرفونه جيدا ، و ذلك ليشعر السكان ، بأنهم ليسوا غرباء عنه ، و ليس غريبا عنهم ، و ما اتصف به عندهم قبل البعثة ، يفند ما يحاك ضده من اقاويل و اشاعات . فقد عرف ب (الامين) و ظهر صدقه و شاهدوا أمانته و ما تميز به خلال حدث رفع الحجر الأسود ، الذي كاد ان يؤدي ، لولاه ، إلى صراع بين القبائل المعنية آنذاك . قال الله تعالى في ذلك مخاطبا سكان الجزيرة : " ... لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤؤف رحيم ..." (١٦) ، فكان كما وصفه القرآن الكريم ، موشحا بالرحمة الالهية " ... فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك ... " (١٧) ، فما خاطبهم الا بمنطق و رحمة و حنان ، داعيا اياهم لترك عبادة الاوثان و ما اعتادوا عليه من سيئات و معاص ، و لو كان غير ذلك ، لما استمع اليه احد ، و لما وجدت دعوته أحدا يستجيب له . هنالك آيات أخرى متفرقة على صفحات القرآن الكريم ، تشير إلى عظمة الرسول المؤيد (ص) ، منها : الآيات : ٩٧ ، ١٤٣ ، و ١٥١ ، البقرة . الایات : ٧ ، ٢٠ ، و ٦٨ ، آل عمران . الآية ٢٠ ، المزمل . الآيتان ١ و ٢ ، المدثر و غيرها . و مما قال (ص) : " أحبب في الله و أبغض في الله و وال في الله و عاد في الله ، فإنه لن تنال (بضم التاء) ، و لاية الله الا بذلك ، و لا يجد رجل طعم الإيمان ، و ان كثرت صلاته و صيامه ، حتى يكون كذلك . (١٨) . ان النهج الذي رسمه لنا رسول الله (ص) ، هو ، ان يكون الحب ، البعض ، الولاء و العداء ، لله تعالى فقط ، و من سلك غير ذلك طريقا ، ليس بمؤمن ، و كثرة الصلاة و الصوم ، لا تغني و لا تسمن ، بغير ما ذكر ، و ليس أدق و افصح بما تفوه به الهادي البشير (ص) ، ليكون شاهدا على الإنسان في عصر التبس فيه الحق بالباطل ، و لا سبيل إلى معرفة الحق و الحقيقة ، غير اللجوء إلى الله تعالى و رسوله (ص) الذي نزل عليه القرآن الكريم . عصر انخرط فيه كثير من ولاة امر المسلمين في خدمة أعداء المسلمين ! متناسين قوله (ص) : " المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم و دمائهم ، و المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه ، و المهاجر من هجر السيئات ." (١٩) ، فهل يأمن المسلمون من بعض حكامهم ذلك ؟ و اهل المهاجر حقا ، في عرف التكفيريين ، خاصة الدواعش و أمثالهم ، من هجر السيئات ؟ و هم منشغلون ، لحد الآن ، بتكفير المسلمين و قطع رؤوسهم ؟ و هل مد العدو الصهيوني المجرم بما يحتاجه ، هو ما أوصى به الإسلام و نبي الإسلام (ص) ؟ اما حان الوقت لبعض ولاة امر المسلمين ، ان يستيقظوا من سباتهم ، قبل أن تدور عليهم الدوائر ، و يستعبدهم الذي يستقوون به على شعوبهم ، و يسعون بما استطاعوا لكسب وده و الانحناء له ؟


الم يسمعوا أو يخطر على اذهانهم قوله (ص) : " من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين ، فليس منهم و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين ، فلم يجبه ، فليس بمسلم " (٢٠) ، ألا يحرك ضمائرهم النائمة و لا نقول الميتة ! صراخ و عويل نساء غزة الحرائر المظلومات ؟ و أطفال غزة الشهداء الأبرار ؟ و شبابهم و شيوخهم الجياع ؟ ... " ... أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها .." (٢١) ، فكيف ، اذن ، ينساب القلم ، أي قلم ، ليفي ، و لو ب (ذرة) ، عما احتوته شخصية عصماء ، تلخص كل شيئ رفيع فيها ؟ فالرسول (ص) : " مستقره خير مستقر ، و منبته اشرف منبت ، في معادن الكرامة و مماهد السلامة. " (٢٢) . فهل كان (ص) متعاليا على أصحابه ؟ . قال أبو عبد الله الإمام الصادق (ع) : " كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، يقسم لحظاته بين أصحابه ، فينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسوية . " (٢٣) . حتى في الجاهلية التي لم تعرف حدودا لآفاق الشعر ، آنذاك ، حيث كان الشعر اللسان القاطع ، الخطاب الفصل ، و السيف البتار أينما تواجد الجاهليون ، في مجلس سمر ، مداولة أو حرب ، انبرى احد أصحاب المعلقات و هو الاعشى ، يمدح النبي (ص) في اوائل دعوته ، في قصيدة له ، حالت قريش دون انتشارها بين العرب ، لألا تبعث على سريان الدعوة للاسلام . قال الاعشى في مطلعها : 


ألم تغتمض عيناك ليلة ارمدا


وعادك ما عاد السليم المسهدا .


و أدام يفصح عن عزمه بالمسير بلا هوادة للقاء النبي (ص) ، مشيرا إلى ناقته : 


فآليت لا أرثي لها من كلالة


و لا من حفى حتى تزور محمدا 


متى ما تناخي عند ابن هاشم 


تريحي و تلقي من فواضله يدا 


نبي يرى ما لا ترون و ذكره 


أغار لعمري في البلاد و انجدا


له صدقات ما تغب و نائل 


و ليس عطاء اليوم مانعه غدا (٢٤) . 


و هذا حسان بن ثابت ، شاعر النبي (ص) مادحا : 


و احسن منك لم تر قط عيني


و أجمل منك لم تلد النساء


خلقت مبرء من كل عيب 


كأنك خلقت كما تشاء . (٢٥) . 


و ناهيك عما قاله المفكرون فيه (ص) . هذا غيض من فيض : 


اتفقت الاخبار ، على أن محمدا (ص) ، كان في الدرجة العليا من شرف النفس ، و كان يلقب بالامين . (٢٦) .  


ان محمدا (ص) ولد في حضن الوثنية ، و لكنه منذ نعومة اظفاره ، أظهر عبقرية فذة ، انزعاجا عظيما من الرذيلة و حبا حادا للفضيلة . (٢٧) . و ما قاله فيه سماحة الإمام الخميني (قده) ، الذي انتهج مساره (ص) ، يدل على أن انبثاق و انتصار الثورة الإسلامية المجيدة ، نفحة من نفحات الرسول الاعظم (ص) . قال سماحته (قده) خلال حديثه عن أخلاقه (ص) : في باب أخلاق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، ذكر انه لم يطلب شيئا لنفسه ، أو يرد مظلمة عنها ، فإذا ما هتكت محارم الله تعالى ، فإنه يغضب لله تبارك و تعالى . (٢٨) . و قال سماحته (قده) ايضا : كان الوضع المعيشي للرسول الأكرم ، صلى الله عليه و آله و سلم ، في غاية البساطة ، فلم يستفد ابدا من مقامه و منصبه لنفع مادي ، شخصي ولم يترك ارثا ماديا خلفه . لم يترك الا العلم الذي هو اشرف الأمور ، خاصة العلم الإلهي ، الذي هو من عند الله تعالى . (٢٩) . فأين أصحاب المناصب و الكراسي ، و المقاعد الوثيرة و الأمكنة المرتفعة ، ينظرون منها إلى الناس و هم جلوس عندهم ؟ مما كان عليه اشرف الرسل و خلق الله تعالى أجمعين ، صلى الله عليه و آله و سلم . و هل يترك ولاة الأمر ، الموكلون بشؤون المسلمين ، ارثا غير العلم ، الذي جاء الحديث عنه آنفا ؟ ... " ... و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون ... " (٣٠) . ففي ميلاد الشاهد ، البشير (ص) ، و الإمام الهمام ابو عبد الله الصادق (ع) ، قمة الفقه و الفقاهة ، أين موضعنا من ذلك الصرح العظيم ، و لا نزال نتخبط في أعماق نفوسنا ، خاصة (النفس الامارة) ، و هي ممسكة بزمام امورنا ، هنا و هناك ! . 


________________________________


* ١ و ٢ : ٧١ و ٧٢ ، ص . 


* ٣ : ٣۷ ، ابراهیم . 


* ٤ : ٤ ، قريش . 


* ٥ : ۳ ، قريش . 


* ٦ : قبيلتان دخلتا الحرب بسبب فرسين هما : داحس و الغبراء . و تعتبر الحرب المذكورة ، إحدى الحروب الدموية الممتدة في عصر الجاهلية . 


* ٧ : قيل انها عطارة كانت تبيع العطر ، فمن تعطر بعطرها و دخل الحرب ، قتل . 


* ٨ : زهير بن أبي سلمى ، الديوان . 


* ٩ و ١٠ : الآیتان ٨ و ٩ ، التكوير . 


* ١١ : احمد شوقي ، الديوان . 


* ١٢ : الآية ٤ ، القلم . 


* ١٣ : الآية ٤٦ ، الأنفال . 


* ١٤ : احمد شوقي ، من قصيدة له مطلعها : قف للمعلم وفه التبجيلا


كاد المعلم ان يكون رسولا . الديوان . 


* ١٥ : الآية ٢١ ، الاحزاب . 


* ١٦ : الآية ١٢٨ ، التوبة . 


* ١٧ : الآية ١٥٩ ، آل عمران . 


* ١٨ : وسائل الشيعة ، ج١١ ، ص ٤٤٠ . 


* ١٩ : من لا يحضره الفقيه ، ج٤ ، ص ٣٦٢ . 


* ٢٠ : المصدر السابق ، ص ٥٥٩ . 


* ٢١ : الآية ٢٤ ، محمد . 


* ٢٢ : الإمام علي (ع) ، نهج البلاغة . 


* ٢٣ : الكافي ، الشيخ الكليني ، ج٢ ، ص ٦٧١ . 


* ٢٤ : الاعشى ، شاعر جاهلي . الديوان . الكلالة : التعب أو الاعياء . حفى : هنا ، رقة حافر الفرس أو البعير من كثرة السير . 


* ٢٥ : حسان بن ثابت ، الديوان . 


* ٢٦ : المستشرق الفرنسي كليمان هوار . Mawdoo.com


* ٢٧ : المستشرق جرمان دتاسي ، المصدر السابق . 


* ٢٨ : شرح حديث جنود العقل و الجهل ، ص ٢٤٤ ، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الإمام الخميني (قده) . 


* ٢٩ : الإمام الخميني (قده) ، الحكومة الإسلامية ، ص ١٠٣ _ ١٠٤ . 


* ٣٠ : الآية ١٠٥ ، التوبة . 


_______________________________


د . سيد حمود خواسته ، القسم العربي ، الشؤون الدولية .