بسم الله الرحمن الرحيم
في ذكرى ميلاد سيد الكونين ، اشرف الرسل و الخلق أجمعين ، محمد المصطفى (ص) ، ماذا اكتب و اقول ؟ بل و ماذا يكتب العالم بأسره و يقول ؟ أو يبوح باسرار لن تنكشف بعد للانسانية ، حول شخصية اقامت الدنيا و اقعدتها ، و ما وصل لحد الآن مفكر عالم ، أديب ، أو فيلسوف ، في اية بقعة منها ، لدرك جزء و لو يسير حول تلك الشخصية العصماء ! ليرضي بها نفسه أو يتفوه امام أنظار العالم ، بأنه استطاع ان يكشف شيئا ما ! لكثرة ما قام به أولئك على اختلاف مشاربهم و مذاهبهم و اديانهم ، حتى الذين لا دين ، و لا مذهب و لا حتى اتجاه لهم ! و ما رأينا و نراه و ما نشر و ينشر ، قد لا يعادل قيد انملة ، أو حرف واحد فقط ، مما جرى على لسان شاهد ، مبشر و نذير ، عاش و ترعرع على أرض جرداء ، حارقة ، بين أناس عبدوا الدنيا بما فيها ، و أقاموا اصناما بأيديهم لعبادة أنفسهم بانفسهم ! و الدعوة لأنفسهم بخديعة الناس ، إلى ركوع و سجود لأنصاب من حجر أو خشب أو ... ! فهل يا ترى و انت تغور في التاريخ ، و تلقي نفسك كاملة بين طيات أوراقه ، تستطيع ادراك كنه شخصية ، تربعت على قمم الدنيا بما فيها ، لتعلن تحرر الإنسان العبد ، مما كبله ( الملأ ) من قيود و اغلال ؟ و أن ابليس الرجيم ، الذي لم ينحن لمخلوق الله تعالى ، الذي خاطب الملائكة قائلا : " ... اني خالق بشرا من طين (١) فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ... " (٢) ، كان لأولئك ( الملأ ) مشيرا و مستشارا ! ... و تحول (البيت المحرم) الذي اسكن عنده ابراهيم (ع) ذريته "... ليقيموا الصلاة ..." (٣) إلى مأمن و ملجأ ل : هبل ، العزى و اللات ! يجبي فيه القريشيون ما استطاعوا من أموال ! ليستعبدوا الإنسان الذي خلقه الله تعالى حرا ، و ينكرون نعم الخالق عز و جل ، الذي " ... اطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ... " (٤) ، و أمرهم بعبادة " ... رب هذا البيت ... " (٥) ، فلا ومضة نار و لا بصيص نور ، في ظلمات جاهلية قاتمة ، لم يعرف أهلها غير سنن سنوها بأنفسهم ، و عادات اعتادوا عليها ! اللهم الا نفحات نادرة هنا و هناك من الكرم و الضيافة ، و وقفات إنسانية مثالية ، و التضحية بالمال لبعض أصحاب المروءة ، لإيقاف نزيف الدم و قتل الأبرياء بلا ذنب ، مثل ما قام به هرم بن سنان و ابن عمه الحارث بن عوف ، من سادة بني مرة ، بدفع ديات ضحايا حرب داحس و الغبراء ، قد ذكرهما الشاعر الجاهلي الكبير زهير بن أبي سلمى في معلقته ، مثنيا عليهما :
تداركتما عبسا و ذبيان بعد ما (٦)
تفانوا و دقوا بينهم عطر منشم . (٧)
و قد قلتما ان ندرك السلم واسعا
بمال و معروف من الأمر نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق و مأثم
عظيمين في عليا معد و غيرها
و من يستبح كنزا من المجد يعظم . (٨) . في ذلك العصر المظلم ، الذي كان نموذجا لتقهقر الإنسان إلى الوراء ، بكل ما تعنيه الكلمة ، و لا سيما بالنسبة للمرأة و إنكار حتى حقها في حياة حرة كريمة ، متمثلا بدفن الرضيعات عند ٠ولادتهن ، حيث ذكر ذلك القرآن الكريم مستهجنا " ... و اذا الموؤدة سئلت (٩) بأي ذنب قتلت..." (١٠) .. خلال تلك الفترة تراءت لسكان شبه الجزيرة العربية ، خيوط ناصعة من نور ، إضاءة سماءها ، فانقلبت الاصنام داخل الكعبة على وجوهها ، و خمدت نار فارس ، التي كانت مشتعلة لمدة الف عام ، ليلا و نهارا ، و غاضت بحيرة ساوه العظيمة ، بل و أضاءت كذلك السموات و الارضين بما فيها ، فقد :
ولد الهدى فالكائنات ضياء . (١١) ، و هلل الحنفاء و الموحدون في شبه جزيرة العرب خاصة ، بذلك و ايقنوا بأن عهد الظلام منحسر لا محالة ... و ترعرع الوليد الطاهر بعناية الله جل جلاله و رعايته ، و تدرج عابرا للصعاب ، حتى بعث صلى الله عليه و آله ، بشيرا ، نذيرا و هاديا إلى الإنسانية جمعاء ، محطما الاصنام ، و بانيا حياة شريفة ، كريمة ، للانسان الذي استعبده الشيطان بأيدي ( الملأ ) من قريش . فما تمتع به الرسول الاعظم (ص) من صفات و ميزات ، مهما كانت ، لا تعلو على ما قاله الله تعالى فيه " ... و إنك لعلى خلق عظيم ..." (١٢) ، و من وصفه الخالق البارئ عز و جل بذلك ، يعني ، ان الخلق و الأخلاق ، شرف ايما شرف للانسان الحر الكريم ، و اذا ما اتصف بذلك ، اتصف بأحدى صفات الخليقة و الوجود ، التي أرادها الله تعالى لمخلوق نفخ فيه من روحه و سماه الإنسان . فالالتزام بالأخلاق سيرة ، منطقا و عملا ، افضل ما يعده الفرد لنفسه ، و أفضل ما عند المجتمع ، أي مجتمع كان ، و أي قوم مهما كانوا ، و هي مقود الفضائل بأجمعها ، و التفافها حول انسان ، مجتمع أو قوم ما ، و هي بالتالي ، حجر اساس الاتفاق ، الوحدة ، التكاتف و الاخوة ، و اذا ما انحسرت أو ضعفت ، تلاشى كل جهد في هذا المجال ، و ركيزة كل ذلك اطاعة الله تعالى و رسوله (ص) ، و الإبتعاد عن اية مخاصمة أو منازعة . قال عز من قائل : " ... و اطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم ..." (١٣) . فإن تلاشت الأخلاق و ما يتبعها من مكارم ، قد يؤدي ذلك إلى ما لا يحمد عقباه ، عند أي قوم :
واذا اصيب القوم في اخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا . (١٤) .
---------------
القسم العربي، الشؤون الدولیة.